Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

أدب عالمي ومقارن

7 août 2021

نبذة_عن_دوستويفسكي

نبذة عن دوستويفسكي - سطور

 

نبذة عن دوستويفسكي - سطور2

 

نبذة عن دوستويفسكي - سطور3

نبذة عن دوستويفسكي - سطور4

نبذة عن دوستويفسكي - سطور5

نبذة عن دوستويفسكي - سطور6

نبذة عن دوستويفسكي - سطور7

نبذة عن دوستويفسكي - سطور8

نبذة عن دوستويفسكي - سطور9

 

 

 

Publicité
Publicité
23 juillet 2021

الأدب المقارن والاتجاهات النقدية الحديثة: دراسات

images 4

 

الأدب المقارن والاتجاهات النقدية الحديثة:

دراسات التأثير والمنهج التاريخي.

      يرى علماء الأدب المقارن الذين يحصرون ميدان هذا العلم في دراسة العلاقة بين أدب قومي معيّن وأدب قومي أو مجموعة من الآداب القومية أنّ الهدف الذي يسعون إلى تحقيقه هو استقصاء ظواهر التأثير والتأثر بين الآداب القومية المقارنة: كأن يحدد المرء ماذا أعطى الأدب الفرنسي للأدب الألماني من مؤثرات وماذا أخذ منه. أمّا المكسب العلمي أو المعرفي الذي يحققه الأدب المقارن نتيجة لدراسة علاقات التأثير والتأثر بين الآداب فهو ذو طبيعة تاريخية. فعندما يدرس المقارنون ما تمّ بين الأدبين الفرنسي والألماني من تأثير وتأثّر، فإنهم يقدّمون بذلك مساهمة في كتابة تاريخ هذين الأدبين. إنّ الغرض من دراسة علاقات التأثير والتأثّر هو إكمال كتابة تاريخ الآداب القومية. ومن خلال تلك المساهمة يضيف الأدب المقارن إلى تاريخ الآداب جانباً كان مؤرّخو الآداب القومية قد أغفلوه. فقد كانوا يؤرّخون لكلّ أدب قومي بمعزل عن الآداب القومية الأخرى، ولكأنه تاريخ التطور الداخلي لذلك الأدب فقط. لم يعر مؤرخو الآداب القومية اهتماماً لعلاقة كلّ أدب بالآداب القومية الأخرى، إلى أن جاء الأدب المقارن في صورته المبكّرة، أي دراسات التأثير والتأثر، فسدّ تلك الثغرة في تأريخ الأدب، وبيّن أن تاريخ أيّ أدب قومي ليس مجرّد تاريخ ما يجري ضمن ذلك الأدب من تطورات، بل هو أيضاً تاريخ ما يتمّ بينه وبين الآداب القومية الأخرى من تبادل وتفاعل. وعند هذا الحدّ تنتهي مهمة الأدب المقارن، كما تصورها روّاده وتابعوهم من ممثلي "المدرسة الفرنسية القديمة" في الأدب المقارن: إنه العلم الذي يؤرخ للعلاقات الخارجية بين الآداب.
ولكن ماذا عن الجوانب الجمالية والفنية والذوقية للأدب؟ ماذا عن البنى الداخلية للأعمال الأدبية؟ إنّ الأدب المقارن الذي اتخذ صورة دراسات التأثير والتأثر يكتفي بتأريخ العلاقات الخارجية للأدب، ولا يتطرق إلى الجوانب والأبعاد الجمالية الذوقية: فهو لا يحللها ولا يقيّمها، وجلّ ما يفعله بشأنها هو أن يبيّن العلاقات الخارجية والوسائط والمؤثرات المرتبطة بها.

     أمّا الأمور الجمالية والفنية فإنّ الأدب المقارن التقليدي(دراسات التأثير) يترك التعامل معها للنقد الأدبي، الذي يعدّه المعنيّ الأوّل والأخير بالأبعاد الداخلية للأدب، فذلك هو مجال اختصاصه. إنّ علاقة الأدب المقارن بالنقد الأدبي تبدو من هذا المنظور علاقة تقسيم عمل، فلكلّ من المنهجين مضماره المحدد الذي يعرف تخومه بدقة: فعلماء الأدب المقارن ليسوا نقاداً، والنقاد ليسوا مقارنين. وما يفصل الأدب المقارن عن النقد الأدبي لا يقتصر على حدود مضمار كلّ منهما، بل يشمل المنهجية والطريقة أيضاً. فللنقد الأدبي طرائقه في مقاربة مواضيعه، وللأدب المقارن، في صورته التقليدية، طرائقه التي تختلف جذرياً عن طرائق النقد الأدبي. فمنهجية الأدب المقارن منهجية تاريخية تجريبية، تتمثل في جمع الوثائق والأدّلة والوسائط وكلّ ما يبرهن بصورة ملموسة ويقينية على وجود علاقات تأثير وتأثر بين أدبين قوميين أو أكثر.

    هكذا فهم الأدب المقارن مضماره ودوره ومنهجه على امتداد فترة طويلة من تاريخه، ساد فيها ما بات يعرف "بالمدرسة الفرنسية التقليدية"، التي دامت من أوائل القرن التاسع عشر إلى أواسط القرن العشرين، عندما ظهرت في ساحة الأدب المقارن اتجاهات ومدارس جديدة، فهمت مضمار الأدب المقارن ووظيفته وأهدافه بصورة أخرى.

23 juillet 2021

__________________________

23 juillet 2021

__________________________________________________

23 juillet 2021

_____________________________

Publicité
Publicité
23 juillet 2021

____________________________ الأدب المقارن دانييل

____________________________

الأدب المقارن دانييل هنري باجو

23 juillet 2021

_______________________

23 juillet 2021

وصف المقرر: يهدف هذا المقرر إلى تعريف الطالب

images 1

 

 

وصف المقرر:

يهدف هذا المقرر إلى تعريف الطالب بمفهوم الأدب المقارن وأهميته

وعالميته وتطوره وظروف نشأته ومجالات البحث فيه ،والفرق بينه

وبين الدراسات الأدبية الأخرى ،كما يهدف إلى رصد العلاقات والصلات

التي تقوم بين الأمم والشعوب المختلفة في ميدان الأدب ، وفحص وسائل

وأدوات وأسباب هذا الإتصال ، وبيان أثر هذا الإتصال  في الأدب من خلال الدراسة المقارنة للأجناس الأدبية والمواقف والنماذج البشرية وتحليل مصادر الأدب والكشف عن معتقدات الشعوب وتصوراتها عن بعضها بعض .

الأهداف المعرفية:

ـ أن يدرك الطالب مفهوم الأدب المقارن.

ـ أن يدرك الطالب أهمية الأدب المقارن في دراسة الظواهر الأدبية .

ـ أن يعي الطالب متطلبات الأدب المقارن من إلمام باللغات والتاريخ الأدبي

ـ أن يتعرف الطالب على ميادين الأدب المقارن ومجالاته.

ـ أن يتعرف الطالب على موقع الأدب العربي ومكانته بين الآداب العالمية.

ـ أن يعي الطالب الفرق بين الدراسات المقارنة والموازنات الأدبية في حقل

 الدراسات النقدية.

ـ أن يقف الطالب على العديد من الأعمال الأدبية العالمية  التي تعد مجالا للدراسات المقارنة.

 

المراجع:

1/الأدب المقارن .          د. محمد غنيمى هلال

2/الأدب المقارن أصوله وتطوره ومناهجه .      د/الطاهر مكي

3/في الأدب المقارن .           د/محمد عبد السلام كفافي

4/الأدب المقارن.           د/طه ندا

5/مدخل إلى الدرس الأدبي المقارن       د/أحمد شوقي رضوان

6/مدارس الأدب المقارن         د/سعيد علوس

7/الأدب العربي في تراث العالم        د/داود سلوم

8/ظاهرة التأثير والتأثر في الأدب العربي      د/ علي أحمد العريني

 

 

 

 

الفصل الأول:

الأدب المقارن في معناه وأهدافه:

قد لا نكون بعيدين عن الصواب إذا قلنا إن المدرسة الفرنسية تهتم بدراسة الأدب المقارن في معناه الخاص .ونقصد بالمعنى الخاص هذا أن الدراسة لا تجاوز حدود الدراسة الأدبية ، فيما تعتبره ضمن ميادين الأدب المقارن . فالأدب المقارن لا يتجاوز دائرة الآداب إلى غيره من الفنون أو المعارف . إنه يهتم بمقارنة أدب معين بأدب آخر أو بعدد من الآداب الأخرى . وهو كذلك يهتم بمقارنة عمل أدبي  في إحدى اللغات بعمل مناظر له في لغات أخرى . وهكذا لا تدرس المذاهب الفنية التي شاعت في فنون مختلفة وآداب متعددة إلا ضمن نطاق الآداب ،أما المقارنة بين الأدب وغيره من الفنون ، فليست عند الفرنسيين مما يدخل ضمن موضوعات الأدب المقارن . وليس معنى ذلك ان الفرنسيين لا يعرفون مقارنة الآداب بالفنون . فعند الفرنسيين ألوان متعددة من هذه الدراسة ،لكنهم لا يعتبرونها من موضوعات هذا العلم ، الذي يعرف في جامعاتهم بالأدب المقارن .

 على أن دراسة الأدب دراسة مقارنة يجب  ـ عند المدرسة الفرنسية ـ أن تتوفر لها الأسس الآتية :

أولاً: أن يكون هناك اختلاف في اللغات بين هذه الآداب .فليس من دراسات الأدب المقارن عندهم أية دراسة تقارن بين الأدب الإنجليزي والأدب الأمريكي ،مادامت اللغة واحدة في هذين الأدبين . وليس من الأدب المقارن دراسة الأدب  الفرنسي  مقارناً بما ينتجه بعض مواطني كندا من أدب باللغة الفرنسية.

   ويختلف الدارسون الأمريكيون مع الفرنسيين حول هذه المسألة .وطبيعي ألا يعتبر الأمريكيون أدبهم مجرد امتداد للأدب الإنجليزي . ومن هنا كان للأمريكيين موقف من هذا الموضوع بني على أساس أن الأدب المقارن يهتم بدراسة الأدب في صلاته التى تتعدى حدوده القومية . فالقومية وليست اللغة هي التي تحدد نوع الأدب . وعلى هذا تكون دراسة الأدبين الإنجليزي والأمريكي دراسة مقارنة مما يدخل ضمن نطاق الأدب المقارن .وربما يتوقفون مترددين إزاء صلة أدبهم بالأدب الإنجليزي إبان فترة الإحتلال الإنجليزي لأمريكا ،فلا يصرون على الفصل بين الأدبين خلال هذه الحقبة .أما عصور الاستقلال فهي عندهم عصور تطور فيها الأدب الأمريكي وأصبح منفصلاً عن الأدب الإنجليزي . وهذه مسألة لا نستطيع أن نسلم بها من كافة الوجوه . فما الاستقلال السياسي الذي يكون أساساً لاختلاف الآداب ؟وهل نعتبر الكيانات السياسية المنفصلة للدول العربية مثلا مصدرا لخلافات جوهرية بين آداب العرب في مختلف الدول العربية ؟هل نعتبر من موضوعات الأدب المقارن أية دراسة توازن بين الشعر العربي الحديث في مصر والشعر العربي الحديث في لبنان ؟

   الواقع أن الحدود السياسية لا يمكن أن تكون اعتباراً كافياً للقول بخلافات جوهرية بين الآداب ،تجعل منها آداباً مختلفة ،تدرس دراسة مقارنة كما هو الحال بين الآداب المختلفة اللغات .إنني أميل إلى اعتبار مدارس الشعر في الأقطار العربية المختلفة ، مدارس متعددة لأدب واحد ،تدرس ضمن نطاق هذا الأدب ،ولا تعد من مباحث الأدب المقارن .وهكذا الحال بالنسبة لأدبنا العربي في عصوره السالفة  .فالمقارنة بين الأدب العربي في بغداد والأدب العربي في الأندلس ليست من الدراسات التي تدخل ضمن نطاق الأدب المقارن . إنها دراسات لأدب واحد في بيئاته المختلفة ، وليست مقارنة بين أدبين مختلفين .

  ولعل وجهة النظر الأمريكية في اعتبار الأدب الأمريكي أدباً منفصلاً عن الأدب الإنجليزي تستند إلى اعتبارات أخرى إلى جانب الحدود القومية .ومن هذه الاعتبارات أن سكان الولايات المتحدة لا ينتمون في أصلهم إلى شعب واحد ،بل هم مهاجرون يرجعون إلى مختلف شعوب العالم . وهذا التنوع كان أساساً وباعثاً لخلق أدب جديد ،يختلف عن الأدب الإنجليزي ‘وإن شاركه في اللغة بقدر كبير .

ثانيا: أن يكون الأدبان اللذان نقارن بينهما قد قامت بينهما صلة تاريخية .وتهتم المدرسة الفرنسية بتحقيق الصلة التاريخية بين الأدبين قبل أن تخوض في تفصيلات الدراسة المقارنة . أما إن لم تقم الأدلة أو القرائن على اتصال الأدبين ، فليس هناك مجال للدراسة المقارنة . ومعنى ذلك أن المدرسة الفرنسية ترى أن الهدف من الدراسة المقارنة هو الكشف عن ميادين التأثير والتأثر . أما دراسة الفنون المتناظرة في الآداب المختلفة التي لم يحدث بينها لقاء تاريخي فلا ترى المدرسة الفرنسية لذلك كبير فائدة .لكننا نخالف رأي هذه المدرسة في هذا الاتجاه .فدراسة الفنون المتناظرة في الآداب المختلفة تكشف عن ألوان ممتعة من المعارف ،لا نرى مبرراً  لإخراجها من نطاق الأدب المقارن . ومن أمثلة ذلك دراسة  فن الملاحم عند اليونان والفرس والهنود .فمثل هذه الدراسة ـ إن أمكن تحقيقها ـ تكشف بأسلوب المقارنة عن طبيعة هذا الفن الشعري في آداب مختلفة ، مما قد يعاون على تحقيق تفهم أوسع وأشمل لمدلولاته الإنسانية . ومما يعترض به على مثل هذا البحث أنه يفوق طاقة الدارس مهما أوتي من علم وعرفان .فأين الباحث الذي يستطيع أن يحيط بكل هذه الآداب،ويتعمق دراسة كل منها ، ثم يقوم بعد ذلك بدراسة المقارنة .لكن الجهود التعاونية التي تتمثل في الأعمال الموسوعية تقدم حلاً لمثل هذا الموقف العسر .فهناك ألوان من الدراسات تقوم على مجموعة من العلماء المتعاونين ، وتقدم حلاً لما يعجز عن تحقيقه فرد واحد .

   ونستطيع بعد هذه المناقشة أن نتقدم لذكر أمثلة من موضوعات الأدب المقارن ، وفق مفهوم المدرسة الفرنسية .

إن الأدب المقارن ـ عند أساتذة المدرسة الفرنسية ـ يهدف إلى بيان نواحي التلاقي بين الأدب القومي لإحدى الأمم ،مبيناً جوانب التأثير والتأثر ، مستعيناً في كل ذلك بما تؤيده وثائق التاريخ من تلاق بين الأمم مكن لها من أن تتبادل فيما بينها هذا التأثير والتأثر .

   هذا الاتجاه العام للأدب المقارن يتضمن أيضاً الدخول في كل التفصيلات التي تنطوي تحته . فليس المقصود دراسة الأفكار أو التأثيرات المتبادلة بين أدبين أو أكثر فحسب ، بل يدخل في ذلك دراسة الأنواع الأدبية عند الأمم التي تلاقت آدابها وثقافاتها .

    فقد يحدث أن تقتبس إحدى الأمم من أمة أخرى نوعاً أدبياً أو بضعة أنواع أدبية . إن العرب في هذا القرن قد اقتبسوا من أوروبا أنواعاً أدبية متعددة نذكر منها الأدب التمثيلي منظومه ومنثوره ، والقصة والأقصوصة .

    ويدخل في دراسات الأدب المقارن ما قد تتبادله الآداب من قيم وتقاليد فنية .إن عملاً مثل كتاب الشعر لأرسطو ‘بما انطوى عليه من قيم ومفهومات كان له أعمق الأثر على نقاد الأدب من الرومان . ثم كان له بعد ذلك أثره العميق على الآداب الأوروبية في عصر النهضة . وربما امتد أثره بعد ذلك بقرون . ولا نقصر الأثر هنا على ما أحدثه هذا العمل من تأثيرات مباشرة ‘بل يدخل في ذلك أيضاً ما أحدثه من تأثيرات غير مباشرة .

   كما أن من الأدب المقارن ما يتناول دراسة المذاهب الفنية التي شاعت في أكثر من أدب واحد ‘فلكي نلم بالخصائص الفنية لمذهب الرومانسية الذي ازدهر في أوروبا في القرن التاسع عشر لا بد أن تدرس الآداب الرومانسية المختلفة . ففي آداب أوروبا نماذج مختلفة للرومانسية ،ولسنا نستطيع الإلمام بهذا المذهب ما لم  ندرسها جميعا دراسة مقارنة . وهكذا الشأن بالنسبة للمذهب الواقعي والمذهب الطبيعي . لابد من تتبع هذين المذهبين في النماذج التي ظهرت في الآداب الأوروبيه المختلفة  ، وبخاصةً في الأدبين الفرنسي والروسي . إبان القرن التاسع عشر .

   وليس يقتصر مجال الأدب المقارن على هذه المذاهب الفنية العامة ، وإنما هو يتناول موضوعات محددة ،كقصة من القصص عرفت في أحد الآداب ،ثم تناولها شاعر ينتمي لأدب آخر ، وكتبها بلغة هذا الأدب . وهناك كثير من الموضوعات الكلاسيكية التي تناولها أدباء ينتمون للآداب الأوروبية الحديثة يدخل في مجال بحث الأدب المقارن .

   ومن أمثلة ذلك عندنا قصة ليلى والمجنون . فهذه القصة التي تدور حول محبة قيس ابنة عمه ليلى قد انتقلت الى الأدب الفارسي ،ونظمها عدد من شعراء الفرس منهم نظامى الكنجوي وعبدالرحمن الجامي ، فالدراسة المقارنة لقصة ليلى والمجنون في أصولها العربية ، وفي منظومات شعراء الفرس ، تعد بحد ذاتها موضوعاً طريفاً من موضوعات الأدب المقارن .

   وفي الأدب العربي عدد من الشعراء عبروا عن التصوف الإسلامي بإنتاج أدبي يتمثل في نماذج شعرية أو نثرية . وكذلك الأدب الفارسي وجد به كثير من الشعراء الذين عبروا عن هذا التصوف نفسه بنماذج شعرية أو نثرية . فالدراسة المقارنة لما كتبه شعراء العرب من شعر صوفي، وما كتبه الفرس من شعر صوفي يمكن أن تعد موضوعاً خصباً من موضوعات الأدب المقارن .

   إن الأدب الفارسي الإسلامي قد اقتبس الكثير من الأدب العربي ، فأوزان الشعر العربي قد انتقلت إلى الشعر الفارسي ، لكن الفرس لم يحافظوا على هذه الأوزان كما هي ‘ بل أدخلوا عليها بعض التعديلات التي تلائم لغتهم ، وطوروها بعض التطوير . كما أن اللغة الفارسية قد اقتبست الكثير من المفردات والتعبيرات من اللغة العربية . ويأتي بعد ذلك كله أن الثقافة الإسلامية قد أظلت كلاً من الأدبين الفارسي والعربي – ولهذا نجد أن لدينا أسساً مشتركة بين هذين الأدبين ، وكذلك بين الفنون المتماثلة في كل منهما . وعلى هذا فإن الدراسة المقارنة لفنين متماثلين في الأدب العربي والأدب الفارسي تأتينا بنتائج مثمرة عن مدى التأثير والتأثر بين هذين الأدبين ، وتكشف لنا جوانب متعددة من الأصول الفنية لكل منهما . وهي إلى جانب ذلك تعاون دارس التاريخ الأدبي في فهم الكثير من الحقائق ، والإحاطة بالمؤثرات العامة والخاصة حين كتابة التاريخ الأدبي العام .

   وهذه الأمور التي نتحدث عنها تعد حقائق مقررة . ولعل تدريس اللغة اللاتينية في المدارس الأوروبية ‘في مرحلة التعليم الثانوي ،أو تدريس اللغة العربية في مدارس إيران ، بوصفها جزءاً من مواد التعليم العام ،توضح لنا مدى الاهتمام الذي يشعر به القائمون على التعليم في تلك البلاد من حاجة إلى بيان الأصول أو الروابط التي ارتبطت بها آدابهم في عصورها المختلفة مع غيرها من الآداب .

  وهناك حالات لا يتحقق فيها التأثير والتأثر في عملين فنيّين بينهما بعض الشبه ،  ومع ذلك يقوم الأدب المقارن بالبحث فيهما ،ملتمساً ما عساه يهتدي إليه من تأثير وتأثر .

   وقد ينتهي البحث إلى التحقق من وجود صلة بين العملين الفنيّين . كما أنه قد ينتهي إلى أنه لا توجد بينهما صلة على الإطلاق . ومن أمثلة ذلك الخلافات المتعددة التي قامت حول تعيين الأصول الفكرية للكوميديا الإلهية التي نظمها شاعر إيطاليا الشهير دانّى . لقد انفق عالم مستشرق أسباني هو آسين بلاثيوس عشرين عاماً في البحث عن الأصول الإسلامية للكوميديا الإلهية .  ومع هذا فليس هناك إجماع على الآراء التي ذهب إليها . ولئن استعصى الوصول إلى رأي قاطع في مثل هذه الأبحاث فهذا لا ينفي مالها من فائدة في كشف الكثير من الحقائق المرتبطة بالأعمال الفنية المقارنة .

    فنحن نرى إذن أن الأدب المقارن قد تتسع أبحاثه فيتناول أدبين نشأ أحدهما  في أحضان الآخر ، كما هو الحال بالنسبة للأدب اللاتيني الذي نشأ في أحضان الأدب اليوناني . وربما اقتصرت أبحاثه على بيان التأثير والتأثر بين أدبين أحدهما أقدم من الآخر . والآداب الأوروبية الحديثة كلها مدينة للآداب الكلاسيكية في كثير من الوجوه ، ويأتي على رأس تلك الوجوه كل ما قبسته اللغات الأوروبية الحديثة من أنواع أدبية كان اليونان مخترعيها .

   وربما وقف الأمر عند مسألة واحدة ، مثل قصة أحيقار في السريانية والعربية والأرمينية والأثيوبية واليونانية ، ثم اللغات السلافية . فهذه القصة قد ظهرت في كل اللغات ويمكن أن تكون موضوعاً أدبياً مقارناً . والخلاصة أن الأدب المقارن يمكن أن يتناول بالدرس أحد المجالات الآتية :

1ـ تحقيق التاريخ الأدبي لأمة من الأمم ،وذلك ببيان عوامل التأثير والتأثر التي قامت بين أدب تلك الأمة وغيرها من الأمم .

2ـ دراسة أحد الشعراء أو الكتاب دراسة نقدية تبين نواحي التأثير والتأثر بالآداب الأجنبية عند هذا الشاعر أو الكاتب ،ذلك لأن الأدب المقارن يؤدي إلى اكتشاف المصادر التي تأثر بها أو نقل عنها ، كما أنه في الوقت نفسه يبين أثره على من قرؤوه وتأثروا بفنه.

3ـ الإلمام إلماماً واضحاً بتطور فن مهم كالنقد الأدبي ،ذلك لأن هذا النقد ظهر أول الأمر عند اليونان القدماء ، ثم انتقل من أثينا إلى الاسكندرية ، فكانت له مذاهبه ، وعاد فانتقل إلى روما فأثرفي نقادها وشعرائها ،وظهر من جديد في عصر النهضة ، ثم في عصر الكلاسيكية الجديدة  ، وبعد ذلك تأثر بالدراسات الإنسانية  المختلفة التي ظهرت ،فأفاد من موضوعات جديدة كعلم الاجتماع ، وعلم النفس ، وغيرهما من العلوم الإنسانية التي تطورت في الأزمنة الحديثة ،فلكي نفهم نظرية الأدب على وجهها الأكمل علينا أن ندرسها عند الأمم المختلفة ، وهذا يدخل ضمن دراسات الأدب المقارن . فمثل هذه الدراسة توضح لنا ما كان من تبادل للأنواع الأدبية ، والمفهومات الفنية بين الآداب المختلفة التي تبادلت التأثير والتأثر .

4ـ دراسة نوع أدبي دراسة تاريخية محققة ، تهدف إلى بيان الأصالة والتقليد ، وتكشف عن تطور النوع الأدبي في مختلف الآداب تطوراً تاريخيا يتتبع انتقال هذا النوع الأدبي من أمة إلى أخرى ،خلال العصور . فيمكن مثلاً دراسة المأساة (التراجيديا) عند اليونان . ثم تدرس المأساة عند الرومان ، ونأتي بعد ذلك إلى الآداب الأوروبية التي اقتبست هذا الفن عن الآداب الكلاسيكية بعد عصر النهضة .

5ـ تتبع قصة إنسانية أو أسطورة عولجت في آداب مختلفة . فمن قصص اليونان ما عولج في عدد من الآداب الأوروبية ،ومن الأساطير ما لقي اهتماماً خارج بيئته الأصلية . ومن حوادث التاريخ ما اهتم به أدباء يكتبون بلغات مختلفة ، في أزمان متباينة ‘ وهكذا . وقد سبق أن ذكرنا قصة ليلى والمجنون العربية ‘ وكيف اهتم بها شعراء الفرس فنظمها أكثر من شاعر . ومن حوادث التاريخ لقيت حياة كيلو باترا اهتماماً ،وصور كثير من الشعراء ـ في مختلف الآداب ـ قصتها كل بأسلوبه ، وطريقته في النظر إلى حياة هذه الملكة .

6 ـ دراسة مذهب أدبي ظهر في عدد من الآداب المختلفة ، فمن الممكن دراسة المذهب الرومانسي وأثره على آداب أوروبا . وهكذا الشأن بالنسبة للمذاهب الفنية الأخرى التي ظهرت آثارها في أكثر من أدب واحد .

7 ـ دراسة شاعر أو أديب تجاوزت آثاره حدود أدبه القومي ،وبيان ماكان لهذه الآثارمن فاعلية في آدب الأمم الأخرى . وقد ظهر في أوروبا في العصر الحديث شعراء وأدباء تجاوزت تأثيراتهم حدود آدابهم القومية . هناك شكسبير وأثره في ظهور المذهب الرومانسي . هناك جيته وأثره في آداب أوروبا الغربية . والأمثلة على ذلك لا تحصى .

8 ـ هذه الحالات التي ذكرناها إنما هي على  سبيل التمثيل لا الحصر . فمن المستطاع أن نمضي في ذكر المجالات التي تتسع لدراسات الأدب المقارن ، فنصل في تعداد هذه الحالات إلى أضعاف ماذكرنا ، لكنا على كل حال لن نستطيع لها حصراً .

9 ـ يمكن أن تتناول الدراسات المقارنة ـ وفق المفهوم الأمريكي ـ ـ أية دراسة تقارن بين الأدب وغيره من الفنون أو تبحث العلاقة بين الأدب وغيره من الدراسات الإنسانية . فموضوع مثل الأدب وعلم النفس يعد ـ وفق هذه النظرة الواسعة ـ من دراسات الأدب المقارن . وعلى هذا فإن دراسات الأدب المقارن يمكن أن تتسع لأبحاث لا نستطيع لها حصراً .

الفصل الثاني :

عدة الباحث في الأدب المقارن .

 إن الباحث في الأدب المقارن يقف عند منطقة الحدود المشتركة للآداب المختلفة، يتأمل حركتها في تبادل صلاتها بعضها مع بعض ، ويكشف التيارات العامة لتلك الصلات . وآثار ذلك في رجال الأدب ، وفي الكتب والموضوعات ، وفي نفس الإحساس والتفكير . ولهذا يجب أن يكون واسع الأفق ، قادراًعلى دراسة ما يتصدى لبحثه دراسة علمية . ومع أن لكل مسألة من مسائل الأدب المقارن ملابساتها التي تفرض توجيهات خاصة لا يمكن الإحاطة بها جميعاً ، نرى من المفيد أن نشير إلى الشروط الأساسية التى يجب توافرها فيمن يتصدى لهذه البحوث .

1 ـ لابد أن يكون الباحث في الأدب المقارن على علم بالحقائق التاريخية للعصر الذى يدرسه ، كى يستطيع إحلال الإنتاج الادبي محله من الحوادث التاريخية التي تؤثر في توجيهه ومجراه. فلدراسة نشأة الأدب الفارسي بعد الفتح العربي مثلاً ، لابد أن تدرس ألوان النزاع السياسي والجنسي بين الشعبين ، والصلات بين الدويلات في إيران وبين الخلفاء العباسيين في أواخر القرن العاشر وأوائل الحادي عشر ، وهو الوقت الذي وصل إلينا فيه أقدم ما ألف من نثر فارسي . ويجب كذلك أن يدرس ما مهد لهذا الإنتاج من حركة الشعوبية  ، ومن تاريخ الحركة العقلية بين إيران وبين العرب . فمعرفة التاريخ ،إذن ، شرط جوهري للدراسات المقارنة .

2 ـ ومن الواضح أن الدارس للأدب المقارن يجب أن يعرف معرفة دقيقة تاريخ الآداب المختلفة التي هو بسبيل البحث فيها ، إن لم يكن في كل عصورها ، فعلى الأقل في العصر الذي هو موضوع دراسته ،وما يتصل به مما يمكن أن يكون قد أثر في إنتاجه الأدبي .

3 ـ وتستلزم دراسة الأدب المقارن أن يستطيع الدارس قراءة النصوص المختلفة بلغاتها الأصلية . أما الاعتماد على الترجمة فما هو إلا طريقة ناقصة لا يصح أن يلجأ إليها إذا أريد تقويم التأثر في الأدبيين على وجههما الصحيح . إذ أن لكل لغة خصائص وروحاً لا تفهم إلا فيها ولا تتذوق إلا بقراءة نصوصها .

  على أن من ألزم ماتجب دراسته مقارنة الترجمة بين اللغات المختلفة التي قامت بينها صلات أدبية ، وهذه الترجمة تختلف فيما بينها ، فتارة تكون دقيقة أمينة ، وتارة يتصرف فيها . ولكي يستطاع الحكم على تأثير كاتب في لغة أخرى وتحديد هذا التأثير ، يجب أن نقارن تلك الترجمة بأصولها في لغتها التي ألفت بها ،على نحو ما تتطلبه الدراسة العلمية الدقيقة .

  ويساعد المدرس الطلاب في ترجمة الأصل . وفي القيام بتلك المقارنة على أن تكون ترجمته وسيلة تسهل للطالب الرجوع للأصل وقراءته وفهمه . ولهذا يحتم على طلبة الأدب في فرنسا أن يكونوا ملمين بلغتين أجنبيتين غير اللغة الفرنسية ، ليكونوا في مستوى يسمح لهم بالقيام بمقارنة علمية .

4 ـ يجب أن يكون الطالب ذا إلمام بالمراجع العامة ،عالماً بطريقة البحث في المسائل . وبمكان مواضعها من الكتب التي يدرسها . فعلى من يريد أن يدرس الصلات الأدبية العربية الفارسية أن يبحث فيما يخص اللغة العربية ونصوصها في كتب الأدباء والمؤرخين الذين كتبوا بالعربية وهم من أصل فارسي ، كالطبري ، وحمزه الأصفهاني ، وابن المقفع وابن قتيبة ...وما أكثرهم . وفيما يخص الفارسية يجب أن يرجع إلى النصوص الأدبية التي ترجمت عن العربية ، إلى النصوص التى حوكى فيها أصل عربي أو تأثرت به ، وذلك كترجمة كليلة ودمنة الفارسية . ولاغنى في مثل هذه البحوث عن الاسترشاد بآراء المطلعين والمتخصصين والاستعانة بهم، وذلك لجدة هذه البحوث وتشعبها .

الفصل الثالث :

                الأجناس الأدبية

         (الملحمة ـ المسرحية )

   منذ كان نقاد الأدب اليوناني ـ وعلى رأسهم أفلاطون وأرسطو ـ لا يزال النقاد ، فى الآداب المختلفة على مر العصور ، ينظرون إلى الأدب بوصفه أجناساً أدبية ، أى قوالب عامة فنية ‘تختلف فيما بينهما ـ لا على حسب مؤلفيها أو عصورها أو مكانها أو لغاتها فحسب ـ ولكن كذلك على حسب بنيتها الفنية وما تستلزمه من طابع عام ، ومن صور تتعلق بالشخصيات الأدبية أو بالصياغة التعبيرية الجزئية التي ينبغى ألا تقوم إلا في ظل الوحدة الفنية للجنس الأدبي، وهذا واضح كل الوضوح في القصة المسرحية والشعر الغنائي ،بوصفها أجناساً أدبية ، يتوحد كل جنس منها على حسب خصائصه ، مهما اختلفت اللغات والآداب والعصور التي ينتمي إليها .

  وقد شذ من نقد العصر الحديث "بندو كروتشيه " الناقد الفيلسوف الإيطالي المتوفي عام 1952، فعنده أن الناقد ينبغي ألا يحفل بسوى عاطفة الشاعر في صورتها الغنائية ، فالمسرحيات والقصص يجب أن تقرأ على أنها مجموعة من نصوص غنائية تشف عن مشاعر فردية ، وقيمتها في تصوير هذه المشاعر ، أما الحدث الدرامى وتصوير الشخصيات ، والخلق ، والوحدة الفنية ،وما إليها من الخصائص الفنية للمسرحية أو القصة، فلا قيمة لها عنده ، وهو في نظرته هذه يمحو الفروق بين الأجناس الأدبية ، وقد يكون لآرائه في ذلك بعض القيمة ، من حيث أنها رد فعل ضد غلواء الكلاسيكيين وتطرفهم ، ولكنها بعد ذلك تتجاهل الحقائق الفنية للأدب وتاريخه .

   فإذا كان "فلوبير" ـ القصصى الفرنسى المشهور ـ قد انتصر انتصاراً كاملا في القصة ،وفشل فشلا ذريعا في المسرحية ، فالسبب في هذا يجب ألا نبحث عنه في موهبة "فولبير "الأدبية الخاصة به ، ولكن في الطبيعة الخاصة بكل من جنسى القصة والمسرحية ‘فالمسألة في فشل "فلوبير" في المسرحية لا يمكن أن يحلها المرء إلا إذا وقف على الخصائص المعينة التي تتميز بها المسرحية عما سواها .

  والحق أن الأجناس الأدبية لها طابع عام وأسس فنية بها يتوحد كل جنس أدبي في ذاته ، ويتميز عما سواه ، بحيث يفرض كل جنس أدبي نفسه بهذه الخصائص على كل كاتب يعالج فيه موضوعه ، مهما كانت أصالته ،ومهما بلغت مكانته من التجديد ، ولا يستغنى عن الإحاطة بهذه الخصائص الفنية كاتب ولا ناقد من النقاد ، ففكرة الجنس الأدبي فكرة تنظيم منهجي لا يمكن أن تنفصل عن النقد .

  على أن نلحظ أن هذه الأجناس الأدبية غير ثابتة ، فهى فى حركة دائبة بها تتغير قليلا في اعتباراتها الفنية ، من عصر إلى عصر ، ومن مذهب أدبي إلى مذهب أدبي آخر ، وفي هذا التغيير قد يفقد الجنس الأدبي طابعه الذي كان يعد جوهرياً فيه قبل ذلك ،فقد كانت المسرحية في النقد الكلاسيكي شعراً ، ثم صارت في العصر الحديث نثراً ، وكان للملحمة وزن خاص بها لا ينبغي أن تتعداه فيما يرى أرسطو، والتجربة تدلنا على أن الوزن البطولي هو أنسب الأوزان للملاحم ، ولو أن أمرا استخدم في المحاكاة القصصية وزناً آخر أو عدة أوزان لبدت نافرة ،لأن الوزن البطولي أكثر رصانة وسعة ، ولهذا يتلاءم مع الكلمات الغريبة والمجازات كل التلاءم ، وقد صارت الملحمة بعد ذلك نثراً، قبل أن تموت في العصر الحديث .

  وفي تمييز الأجناس الأدبية تراعى خصائص مختلفة ، فبعض هذه الخصائص يرجع إلى الشكل ، من إيقاع ووزن وقافية ، ومن بنية خاصة في ترتيب أحداث العمل الفني "الوحدة العضوية" ومن حجم هذا العمل وطوله أوقصره "كما في القصيدة والمسرحية ، ثم القصة مثلا"،ثم من الزمن الذى يشغله موضوع العمل الفني فهو يختلف عند القدماء بين الملحمة التى يمتد طولها أكثر مما قد تمتد المسرحية إذ كانت المسرحية خاضعة لوحدة الزمن المحدودة بما حدده الكلاسيكيون ، وبعض هذه الخصائص يرجع إلى المضمون في صلته بالصياغة الفنية فأشخاص المأساة عند "أرسطو" وعند الكلاسيكيين من الملوك والنبلاء والأبطال ،على حين موضوع الملهاة الأشخاص العاديون ، أوأهل الطبقة الوسطى في شئون حياتهم اليومية ، ثم إن الهجاء أو المهزلة يتجه إلى سواد الشعب ، ويلحق بذلك اتباع لغة خاصة يراعى فيها ما يليق وأسلوب مختلف كذلك ،وكان يراعى ود الكلاسيكيين وحدة الشعور المثار في الجنس الأدبي فالضحك للملهاة ، والخوف والرحمة في المأساة مثلا، والأجناس الأدبية عند الكلاسيكيين والقدماء محددة في كل ذلك تحديداً لايختلط فيه بعضها ببعض ، ولا يجوز بعضها على بعض وقواعدها شبه أوامر فنية يلقيها الناقدون ، ويتبعها الشعراء والكتاب المنتجون . 

  وأما في العصر الحديث فقد تغيرت النظرة إلى هذه الأجناس الأدبية ،فأصبحت دراستها ذات طابع وصفي ،فليست هى بأوامر عملية فنية مرسومة لدى المؤلفين ، ولكنها شروح وتعليل لا يحددان العمل الفني تحديداً تحكميا ،ولا يحصر أنه حصراً تلقائيا،وفي هذه النظرة الوصفية العلمية يمكن أن يختلط جنس أدبي بجنس أدبي آخر ،ليؤلفا جنسا جديداً ،كما في المأساة اللاهية ، ويظل الباب على مصراعيه لخلق أجناس أدبية جديدة ، فالأجناس تمثل مجموعة من الاختراعات الفنية الجمالية يكون الكاتب على بينة منها ، ولكنه قد يطوعها لأدبه أو يزيد فيها ، وهي دائما معللة مشروحة لدى القارئ الناقد .

   والدراسات في الأجناس الأدبية ـ على هذا النحو ـ تكشف عن نمو الأدب ، واطراد نموه ،من داخله ، وتكشف كذلك عن كيفية تقويم الأدب في ظل الاعتبارات الاجتماعية المرتبطة حتما بالأصول الفنية فنحن لا نعد الجنس الأدبى جنسا بموضوعه ، أى أننا لا نقول أبدا : القصة الدينية أو السياسية .. مثلا ، لأننا نعتد أولا بالأسس الفنية التي قد ترتبط بمعان وموضوعات اجتماعية ، ولذا عددنا القصة التاريخية والريفية من الأجناس الأدبية ، لأن كلا منهما قد نشأ في كنف الرومانتيكية ، فكان لكليهما طابع فنى خاص .

  ثم أصبح من المسلم به أن هذا النمو للأدب من خلال الأجناس الأدبية قد أدى إلى استدامة هذه الأجناس في ثنايا الآداب المختلفة ، كما أدى إلى قيام صلات فنية تبعتها سمات اجتماعية في القرون المتعاقبة ، وقد كشفت الدراسة العلمية الوصفية لهذه الأجناس الأدبية عن قيام صلات أدبية دولية لها أثرها وخطرها ، ودراسة "برونيتير" في هذا الجانب صحيحة في جوهرها ، إذا تجنبنا ما وقع فيه من أخطاء سبق أن نبهنا إليها  ونظرته إلى حركة الجنس الأدبي وتطوره وانتقاله من أدب إلى أدب صحيحة في عمومها ، على الرغم من خطئه العظيم في تطبيقها ، وعلى الرغم من جفاف آرائه باتباعه حرفية العلم لا روحه .

  هذا ، وقد تنشأ الأجناس الأدبية في الآداب القومية ، دون استعانة في نشأتها بآداب أخرى ، ولكنها حين تنهض وتنضج فنيا استجابة لحاجات المجتمع الفنية والفكرية ، تستمد عادة أكثر عوامل نموها ونهوضها من الآداب الأخرى ،بفضل العباقرة المتبحرين من أهل اللغة ، فمثلاً وجدت القصيدة العربية في الأدب الجاهلي ، بطابعها التقليدي المعروف الذي لم تتوافر لها فيه وحدة الموضوع ولا وحدة العضوية ،وإنما كان لها آنذاك نوع من وحدة الربط عن طريق التداعي النفسي في خواطر الجاهلي على حسب تجاربه في البادية ، فهو في طريقة إلى الممدوح يمر بالأطلال ،أو يعرج عليها ليراها ، ويبكى بها ذكرياته العزيزة ويرى فيها صور عواطفه الماضية ، ثم يصف ناقته ورحلته عليها ، وما عانى أو رأى في طريقه ، ليصور ما بذل من جهد في شد الرحال إلى الممدوح ، ثم يضفى عليه الفضائل التي يستطيع بها نيل حظوته ، كى يظفر بالنوال منه بتحمل المشتاق في سبيل الرحلة إليه ، وبتغنيه بفضائله ثم صار هذا الطابع للقصيدة تقليديا بعد أن فقد دواعيه البدوية التي كانت تبرره نوعا من التبرير عند الجاهلين ، ولم يتغير نظام القصيدة تغيراً فنيا عميقا حتى العصر الحديث ، وفيه تحولت القصيدة في أدبنا المعاصر إلى تجربة أدبية تتوافر لها الأصالة الفنية في تعبير الشاعر عما يشعر به أو يؤمن به، فى صور أصيلة غير تقليدية ، وفي وحدة فنية ، فيها تتمثل الصور حيه عضوية ، وتبع ذلك أن البيت لم يعد وحدة القصيدة ، بل صارت الصور مترابطة متآزرة في الوحدة العضوية العامة ، وقد أفدنا في ذلك المذاهب الأدبية الحديثة منذ الرومانتيكيين ‘ بل إن البنية الفنية ، لإيقاع القصيدة ووزنها وقافيتها ، قد نالها تغير كبير في شعرنا المعاصر ، أخذنا أسسه الأولى عن الرمزية ومزجناه في المضمون بالاتجاه الواقعى ، وفى هذا كله تلاقت فى شعرنا الحديث تيارات عالمية ،فنية وفلسفية واجتماعية ، لابد للباحث أن يقف عندها ليميز الخيوط الدقيقة في نسيجها الفنى .

   وقد ينشأ الجنس الأدبى فى الأدب القومى بفضل تأثره بالآداب الأخرى،مثل المسرحية ، ومثل القصة في معناها الفنى في أدبنا العربى ،فقد نشأتا فيه وتطورتا  ،واحتلتا في الأدب العربي مكانة تضاءلت بالنسبة لهما مكانة الشعر الغنائي الذي كان يشغل جل ميدان الأدب العربي قبل العصر الحاضر ،كما كاد يكون مشلغة النقد العربي القديم كله .

 ودراسة الأجناس الأدبية ، من هذا الجانب ، تقفنا على المصادر الفنية لأجناس أدبنا القومى ، وتفتح آفاقا فسيحة للنقد ،ثم للاقتداء والخلق ،ولتوجيه الأدب القومي وجهة رشيدة .

  ويتبع دراسة الأجناس الأدبية دراسة وصفية شاملة أن نتعرض للصور الفنية المرتبطة ارتباطا تاما بالأجناس الأدبية في وحدتها وخصائصها ،وما الأسس العامة للأجناس الأدبية إلا وسائل تصوير تتصل بوحدة  العمل الفني ،وتقوم ـ إذا أحكمت أصولها ـ مقام الحجة والإقناع في المنطق ،وبمقتضاها نحكم على وسائل التصوير أو الصياغة الجزئية في داخل الوحدة الفنية لكل جنس أدبي .

  وفي مجال هذا التصوير الفني في معنييه العام والخاص السابقي الذكر ،تتعاون الآداب ويغنى بعضها بعضا ،ويستمد بعضها من بعض ،ونبين هنا ضروب هذا التعاون ،وتمثل لوجوهه المختلفة ،وهي ـ كما يتضح مما سبق ـ تخص أولا : الأجناس الأدبية ،وثانيا :صور الصياغة في عروض الشعر والقافية ،ثم الصياغة الفنية لصور الأدبية.

                            ـ 1 ـ

                  الأجناس الأدبية

  إذا تتبعنا أشهر الأجناس الأدبية لندرسها في نواحيها المقارنة،وجدناها قسمين:قسم كان يعالج أصلا في الشعر في الآداب الأوروبية ،وآخر يعالج أساسا في النثر ،ومن القسم الأول الملحمة والمسرحية ،والقصة على لسان الحيوان ،ومن الثاني القصة ، والتاريخ في طابعة الأدبي ،والحوار أو المناظر و نعالجها الآن على هذا الترتيب ، مبتدئين بالأجناس الأدبية التي تعالج في أصلها شعرا .

1 ـ الملحمة :

  الملحمة ـ من حيث أنها جنس أدبي ـ هي قصة بطولة تحكي شعراً تحتوي على أفعال عجيبة ،أي على حوادث خارقة للعادة ،وفيها يتجاوز الوصف مع الحوار وصور الشخصيات والخطب ،ولكن الحكاية هي العنصر الذي يسيطر على ما عداه ،على أن هذه الحكاية لا تخلو من الاستطرادات وعوارض الأحداث ،وفي هذه تفترق الملحمة عن المسرحية والقصة افتراقا جوهريا وذلك أن الملحمة لم تزدهر إلا في عهود الشعوب الفطرية ،حين كان الناس يخلطون بين الخيال والحقيقة ، وبين الحكاية والتاريخ بل كانوا يهتمون بمغامرات الخيال أكثر مما يهتمون بالواقع ،على أن الخيال الجامح كان يعيش في وفاق تام مع العقل لذلك العهد ،إذ أن سهولة الاعتقاد في ظل الحياة الفطرية كانت توفق بين العقل وبين ظهور الأرواح والجن ، وتدخل الملائكة أو الشياطين في شئون الناس ،فكانت أعجب حوادث "أوديسيا"هوميروس ،مثلا مطابقة ـ في الخيال اليوناني ـ للتجارب التي يمكن أن يقوم بها ملاح يخوض البحار،ويتعرض لعرائسها وعواصفها ،وهذا هو الذي سوغ مثل هذه العجائب في الملاحم عنصراً جوهريا فيها .

 وهذا العنصر قد يكون تغنيا بآيات بطولة أسطورية ،وقد يكون تغنيا بمعجزات تتصل بعقيدة الشعب ،وما الأساطير إلا الصورة الفطرية الساذجة لعقائد القدماء ، ومحور البطولة أشخاص وطنيون ،أسطوريون ،أو من المصطفين من أبطال العقائد الدينية ،وللملحمة في أبطالها وحوادثها أصول تاريخية ،لكنها تختلط بالأساطير والخرافات لذلك العهد الذي لم تقم فيه حدود فاصلة بين الحقائق والخيالات ،وفي الملاحم يتغنى الشعب بماضيه وعجائب هذا الماضي على أنه الصورة المثلى التي يحل فيها الشعب آماله ومثله العليا ،ارضاء لعقائده ونزعاته ،وقد كانت هذه المثل العليا في تلك العهود الفطرية الإقطاعية مكانها الماضى لا المستقبل ،والفرد هو محور هذه المثل والنزعات ،أما الشعب فلا وزن له بجانب الأبطال في ذلك الشعر الإقطاعي ،فهو يمثل التابعين لركب الأبطال ولا يذكر إلا في صدد شرح ضحايا الحرب التي يشنها البطل فيسحق بها من سواه من الطغام ،وهذا أوضح ما يكون في الملاحم الأولى الفطرية ،أما في الملاحم المسيحية فيبدو الشعب في صوره الطبيعية ،ولكن على أنه تابع يقوم برسالته الخاصة بعقيدته أو الأبطال من سادته.

   وهؤلاء الأبطال مصورون ،جسميا أو نفسيا ،في صور بسيطة ساذجة قوية جافة ،وتغلب عليها صفة ملازمة ،تظل بمثابة كنية لهم ،ففي "إلياذة"  "هوميروس " تذكر دائما "هيلين"ذات الحزام العميق ،و أخيليوس" ذو الأقدام سريعة الخطى و"هكتور" ذو البيضة النحاسية الحمراء و"أجا ممنون " راعى الشعوب ، وفى " أوديسيا" "نوزيكا " ذات الأذرع البيضاء ،ويقرب هؤلاء الأبطال من مصاف الآلهة ، كما ينزل الآلهة إلى منزلة الناس ،ويتجلى الإحساس بالطبيعة فى تجسيمها في صور ألوهية مقدسة "فالصاعقة هى صورة جوبيتر" والبحر "نيبتون " والنار "فولكان" والحب "فينوس " والإلهام "أبلون " وتتعدد الآلهة على هذا النحو حتى يبلغ عددها في روما ـ فيما بعد ـ ثلاثين ألفا وما هى إلا رموز لقوى الطبيعة المختلفة .

  وقد انتقل هذا الجنس الأدبى ، بخصائصه وطابعه السابق ، من الأدب اليونانى إلى الأدب اللاتينى ، وسبق أن أشرنا إلى أن الرومانيين حاكوا اليونانيين في الأجناس الأدبية التي نما بها أدبهم ،وازدهر ،وبهذا الطابع فى البطولة والأساطير ، وعجائبها الوثنية الفطرية ، تأثر شاعر اللاتينيين " فرجيل" (89 ـ 19.م) فى ملحمته التي عنوانها "الانيادة "؟

   وقد نظمها الشاعر فى السنين العشر الأخيرة من حياته ، أى بعد أن استقر سلطان الإمبراطور الرومانى " أوغسطس " على إثر موقعة أكتيوم ، وهى ملحمة وطنية ، غايتها الأشادة بأصل الإمبراطورية الرومانية على حسب الأسطورة القائلة بأن "ابنياس " بعد سقوط طروادة ـ وهو من أصل طروادى ـ يخرج منها مع بعض أتباعه ليؤسس الإمبراطورية الرومانية فى " روما " فى القرن الثامن قبل الميلاد ، وموضوع ملحمة "الانيادة " هو وصول البطل إلى إيطاليا لتأسيس الإمبراطورية ، وهى مؤلفة من اثنى عشر جزءا ، تنقسم بدورها إ لى قسمين كبيرين : أولهما يحكى أسفار البطل " ابنياس " حتى وصوله إلى إيطاليا ، وهى محاكاة فنية دقيقة لأوديسيا "هوميروس " وهذا القسم يشمل الكتاب الأول إلى السادس ، والقسم الثانى ـ من الكتاب السابع حتى الثانى عشر ـ يحكى حروب "اينياس " وتغلبه على مناوئيه في منطقة لاسيوم ، وتأسيسه لإمبراطورية  الرومان ،وهى محاكاة للإلياذة .

  و "فرجيل " في ملحمته السابقة ،لا يرتفع إلى مستوى "هوميروس" في ملحمتيه الخالدتين السابقتى الذكر ،لا من حيث الوحدة ، فإن حب "ديدون" لا يرتبط ارتباطا قويا بالحدث ،ولا من حيث ترتيب الأفعال وتقديم الحدث ،فإن الكتب الأولى الستة أقوى أهمية من الكتب الستة الأخيرة خلافا لما هو مألوف من نمو الحدث كلما تقدمت الملحمة ،كما في "هوميروس "ولا من حيث قوة التعبير وحرارة الصياغة ، إذ أن "هوميروس" في هذه المجالات سيد شعراء الملاحم الأقدمين غير منازع ، وعلى الرغم من ذلك فإن المشاعر التي يصفها "فرجيل" في شخصياته أرق وأقل قسوة وسذاجة من الصفات التي يصور بها "هوميروس"شخصياته ،والديانة في ملحمة "فرجيل"أكثر روحية وسموا ،ثم إن عجائب العالم الآخر والرحلة إليه مما امتاز بها  "فرجيل" أكثر من"هوميروس" فهى أقرب إلى عجائب العالم المسيحى الأخروى ، وقد ترجمت ملحمة "الأنيادة" ترجمات مختلفة في أوروبا طوال العصور الوسطى المسيحية،ويضيق المقام هنا عن ذكر هذه التراجم الكثيرة ،ولكن الذي يهمنا هنا أن هذه الملحمة كانت أساسا لتطور جنس الملاحم.

  فنشأت الملحمة الدينية ذات الطابع الرمزي الإنساني ،ممثلة في "الكوميديا الالهيه" للشاعر الإيطالى الخالد "دانته"(1265ـ1331) وهى فريدة من نوعها ، تخالف ملحمتى "هوميروس"مخالفة تكاد تكون تامة في موضوعها ،وفي رمزيتها ،فهى دينية الطابع ،وموضوعها الرحلة إلى العالم الآخر ، يصف "دانته"فيها مالا يرى ، ولكن "دانته" يقرب ذلك العالم من عالمنا في الشخصيات التي تسكنه، وفي وصف أخلاقها ،إذ يرى فيه معاصريه وسابقيه من الناس ،وبخاصة من مواطنيه الذين يعرفهم في فضائلهم ورذائلهم ،ولذلك ترى للملحمة ـ على الرغم من طابعها الغيبى طابعا واقعيا يصف فيه "دانته"عالم العصور الوسطى ،حروبه وعقائده ، وأخطاءه ، يسود ذلك كله طابع ذاتى في وصف بغض الشاعر للنقائص والرذائل الاجتماعية ، وحبه للفضائل وسمو الخلق ،ويظهر ذلك فيما يكيل من سباب أو يصوغ من تمجيد ، هذا إلى أن "دانته" كان يقصد من وراء هذه الملحمة إلى غايات رمزية .

  وفي ضوء هذا القول طالما أجهد شراح الكوميديا الإلهية ،أنفسهم في استخراج رموزها.

  وعلى الرغم من اقتفاء "دانته" أثر شاعر اللاتينيين "فرجيل"في ملحمة الإنيادة في جنس الملحمة ،بعامة وبخاصة في نوع وصفه الرحلة إلى الدار الآخرة،في اتخاذ "فرجيل" هاديا له في رحلته في ملحمة:"الكوميديا الإلهية"وعلى الرغم من أصالة "دانته" مع ذلك في الصور الفنية الرائعة وفي وصف عالم العصور الوسطى الذي عاش فيه، وفي رمزيته العميقة المتعددة النواحي كما أشرنا إليها من قبل ،على الرغم من ذلك كله ،قد تأثر "دانته"في "الكوميديا الإلهية"بمصادر عربية،وهذه ناحية تهمنا في دراسة المقارنة العربية ،وطالما كانت موضوع بحوث مستفيضة في أوروبا وأمريكا ،ونوجز هنا القول في تاريخ هذه البحوث ،ونمثل لبعض نواحيها لأهميتها العظمى فيما يخص أدبنا القومى.

  وقد نشر أبحاثه المستشرق الأسبانى "ميجيل أسين بالاثيوس "(1871ـ1944) عام1919، مجلدا كبيرا في مدريد ،يشرح فيه مصادر "دانته"العربية في ملحمته،"الكوميديا الإلهية"وظهرت الطبعة الثانية من الكتاب عام 1944،قبيل موت المؤلف ،وقد شرح ذلك المستشرق في كتابه كيف تأثر "دانته"تأثرا مباشرا بحكاية الإسراء والمعراج التي نمت بين المسلمين وزيد كثيرا ً فيها ،بناء على أحاديث موضوعة شرحت بها الآية الكريمة التي تصف إسراء الرسول من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدس ‘"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ،لنريه من آياتنا "ثم شرح ذلك المستشرق كذلك كيف أفاد "دانته"من مصادر عربية صوفية أخرى ،من أهمها :"الفتوحات المكية" لمحيى الدين ابن العربي.

 وقد أثار هذا الكتاب عاصفة من الخلاف بين المختصين في أدب "دانته"في أوروبا وأمريكا ،وكان من المتحمسين لهذا الاتجاه الجديد في فرنسا :"أندرية بلسور "  و"اويس جييه"ومما قاله هذا الكاتب الأخير في شأن كتاب "بالأثيوس" السابق الذكر : إنه أهم كتاب ألف في أدب ،وهو الكتاب الوحيد الذي قدمنا خطوة في التعرف على الشاعر .."على حين تحفظ باحثون آخرون في قبول هذا التأثر ، ومن هؤلاء المستشرق الإيطالى "جبريلى"فأيد في كتيب له اعتراضين رددهما بعده كثير من الباحثين :أولهما أن التشابة ـ بين ملحمة "دانته"من ناحية وبين الإسراء والمعراج والمصادر العربية الأخرى من ناحية ثانيةـ تشابه سطحي ، وثاني الاعتراضين أن "دانته"لم يكن يعرف العربية ،حتى يطلع على ذلك كله ، وحقا كان الاعتراض الثاني أقوى دعامة لرفض المعارضين تأثر "دانته" بالمصادر العربية ، ذلك أن "أسين بالاثيوس"لم يستطيع تحديد الطريق التاريخي الذي تأثر فيه "دانته"بتلك المصادر تحديداً قاطعا.

  ولقد قضى على كل معارضة في ذلك التأثر ،وزالت كل شبهة أمام الباحثين ، بفضل عالمين مستشرقين:أحدهما إيطالى هو"تشيرولى"في بحثه الطويل الذي عنوانه:"كتاب المعراج" ومسألة المصدر العربي الأسباني الكوميديا الإلهية " والمستشرق الثاني أسباني هو "مونيوس سندينو"في كتابه الذي عنوانه "معراج محمد" وقد قام هذان العالمان ببحوثهما كل على حدة ،ونشرا كتابيهما في وقت واحد تقريبا عام 1949،واتفقت نتائج بحوثهما ،على الرغم من أن أحدهما لم يتصل بالآخر ،وقد اكتشفا مصدر"دانته"في مخطوطة أصلها عربي ، وموضوعها معراج الرسول ،وقد ترجمت هذه المخطوطة إلى الأسبانية ـ في لهجة قشتالة ـ ثم إلى الفرنسية واللاتينية ،بأمر من الملك "الفونس العاشر "الذي كان ملك "قشتالة"1252  ـ1284ـ وانتخب إمبراطورالألمانيا،ويسمى "ألفونسوا الحكيم"وفي الكتابين السابقى الذكر نص المخطوطتين اللتين بقيتا في الإسراء والمعراج ، إحداهما "وهي باللغة الفرنسية القديمة" في مكتبة"أكسفورد "والثانية "وهي المخطوطة اللاتينية "في المكتبة الأهلية بباريس ،وقد كان بلاط "ألفونس العاشر "مقصد كثير من عظماء أوروبا ومفكريها ،وكان له سلطان سياسي عظيم على كثير من دول أوروبا  ، وبخاصة ألمانيا وشمال ايطاليا في أعوام (1252ـ1272)هذا إلى أن لدينا معلومات تاريخية تدل على أن نسخة من هاتين المخطوطتين كانت في مكتبة "الفاتيكان"ثم أن سيطرة "الفونس العاشر "على دول الغرب لعصره ـ كما هو ثابت تاريخيا ـ قد جعلت كل جهوده العلمية تعم ممالك أوروبا جميعا على أنه من الثابت أن "دانته" كان كثير الاطلاع على مايتاح له من جميع الثقافات الأخرى ،وغير ممكن ألا يطلع متبحر شره إلى المعرفة مثله على ما ترجم في أوروبا من حضارة الإسلام في العصور الوسطى ،وقد كانت هي الحضارة المعاصرة ذات التفوق والسيطرة على العقول والممالك معا، وفي "الكوميديا الإلهية " نفسها مايثبت اطلاع "دانته"على الثقافة الإسلامية ومع أنه بقى العدو اللدود للإسلام ـ لأن إخلاصه لعقيدته كان مسيطرا عليه ،ولأنه يمثل في ذلك عقلية العصور الوسطى والحروب الصليبية ،فإنه يذكر ما يؤكد تقديره للفلسفة الإسلامية وفلاسفتها ،فقد أنزل "ابن سينا"و"ابن رشد" مع الحكماء الذين ساعدوا على تقدم الفكر الإنساني ،ولكنهم حرموا نعمة العقيدة الصحيحة في رأيه ،وهما ـ من أجل ذلك ـ في أولى مراتب الجحيم حيث لاعذاب ولا دموع ،ولكن زفرات وحسرات ،فهما مع "فرجيل"رمز العقل والحكمة الشعرية .

  والحق أنه ـ على حسب المخطوطتين السابقتين في الإسراء والمعراج ـ يتجلى تأثر "دانته"بالأدب الإسلامي تأثراً لا مجال لأدنى شك فيه ،بحيث لا يمكن تفسيره بالصدفة أو توارد الخواطر.

   وإلى جانب العجائب الطبيعية أو الغيبية في الملاحم السابقة ونظائرهم ، ظهرت عناصر واقعية أو رمزية على نحو ما أشرنا إليه ، فأخذت الملاحم تفتقد كثيراً من عناصرها الأصيلة ، ثم وجدت – بعد ذلك – بعض الملاحم النثرية – كما في "مغامرات تليماك" للكاتب الفرنسي "فينلون" وقد ظهرت لأول مرة في باريس عام 1699 ،وهي محاكاة للأجزاء الأربع الأولى من ملحمة "أوديسيا" هوميروس ولكنها ذات طابع تعليمي في معانيها ورموزها ثم هي نثرية.

  وكانت نزعة الملحمة نحو الرمز أو الواقع إيذانا بنهايتها ، ولم يعد من الممكن بعث الملاحم الآن ،لأن عهود الإنسانية للشعوب – وهي التي مهدت لوجود هذا الجنس الأدبي – لم يعد لها وجود ، فالمدينة الحاضرة وتقدم العقل البشري ، والنظم الديموقراطية ، لن تسمح بقيام الملاحم في عصرنا ، حتى أن محاولة خلقها يعد بمثابة محاولة بعث الموتى ، ووجود خصائص الملاحم في عمل أدبي معاصر يعد مرضاً فنياً يجب استئصاله.

   على أن تأثير الملاحم مازال في العصر الحديث ، فمن المسرحيات والقصص ما تستعير موضوعاتها من أساطير ملاحم "هوميروس" وغيره من الأقدمين ، ولكن مولفيها يصوغون هذه الموضوعات في قصة أو مسرحية ،وكلاهما جنس أدبي حى ، ثم يتصرفون في الأسطورة حتى تصير رمزية ، وبحيث لايكون للرمز من معنى سوى أنه قالب إيحائى عام .

   هذا ، ولم يعرف العرب هذه الملاحم في لغتهم الأدبية ،ولكن وجدت أبطالهم ، وصيغت مع ذلك باللغة العامية في العصور الوسطى ، كملحمة "الزير سالم" وهي مأخوذة من قصة "مهلهل بن ربيعة" في حرب البسوس وملحمة "أبي زيد الهلالى " و"الظاهر بيبرس" وهذا النوع من الملاحم لم يرق عندنا إلى المكانة الأدبية ، ولذا لاندرسه هنا ، على الرغم مما لدراسته من قيمة اجتماعية ودلالة شعبية .

   ويتبين مما قلنا في الملحمة وتطورها كيف نشأ هذا الجنس ، وكيف تعاونت الآداب المختلفة في نشأته ونموه ، بحيث كمل بعضها بعضا في قواعده الفنية العامة ، وفي موضوعاته ، وفي نوع الخيال فيه ، ومن هذه النواحي العالمية سننظر في قيمة الأجناس الأدبية التي سبق أن ذكرناها .

2- المسرحية :

   المسرحية بأنواعها المختلفة – التي سنتعرض لشئ من التفصيل فيها فيما بعد – تفترق عن الملحمة والقصة معا في أنها لاتعتمد على السرد أو الوصف ، بل على الحوار ، وهذا هو ماقصده"أرسطو" من قبل ، حين نص على أن محاكاة المسرحية للطبيعة إنما تتم عن طريق "أشخاص يفعلون ، لا بواسطة الحكاية" وجوهرها الحدث أو الفعل ، فأصل معنى كلمة "دراما" باليونانية – وهي اللفظة المرادفة للمسرحية – هو "الحدث" أو "الفعل" ، ولذلك تنبني المسرحية على جملة أحداث يرتبط بعضها ببعض ارتباطاً حيوياً أو عضوياً بحيث تسير في حلقات متتابعة ، حتى تؤدى إلى نتيجة يتطلب الكمال الفني أن تؤخذ من نفس الأحداث السابقة ، وهذه الأحداث أو الأفعال خارجية أو داخلية ، فالأولى هي التي تؤثر في الشخصيات ، والثانية هي ما يأتيه الأشخاص في المسرحية بتجاوبهم مع الأحداث الخارجية أو نفورهم منها ، وبعباره أخرى : الأحداث الداخلية هي الصراع النفسي والمسلك الخلفي ، فالمسرحية في جوهرها أحداث متتابعة منظمة خارجية ، مترابطة ترابطاً وثيقاً مع مسلك الشخصيات ، بحيث تبرر هذه المسلك تبريراً مقنعاً ، وأما الوصف فيستعان فيه بمناظر المسرح ويستنتج من خلال الحوار .

   ومن ناحية التطور ، نشأت المسرحية عن الشعر الغنائى ، فالهجاء والتراشق بالشتائم كان فردياً ، يقصد فيه الشاعر إلى النيل من شخص بعينه ، ثم ارتقى فأصبح جمعا ، يعالج فيه الشاعر مواطن النقص أو مثار الضحك في النقائص العامة ، وحين ذاك نشأت الملهاة فكانت الملهاة أعلى مقاماً من الهجاء لأنها ذات طابع اجتماعي عام ، ثم كان لها ـ إلى ذلك ـ طابع دينى ، لأن أصلها يرجع فى بدئه إلى أناشيد المرح والسرور التي كان يتغنى بها اليونانيون فى أعياد آلهتهم. 

  وكذلك المأساة ، كانت تطوراً عن أشعار المديح ، كما كان لها طابع دينى ، فهى ترجع فى الأصل إلى أناشيد دينية غنائية ، كانت تنشدها جوقة فى أعياد "ديونيسوس" لتشيد بصفات ذلك الإله ، ثم بعد ذلك كانت تضيف إلى مدحه مدح أبطال آخرين ثم اكتسبت هذه الأناشيد طابعاً مسرحياً بالتدريج ، فقد كانت تعتمد ، أصلا على الطابع الغنائى للجوقة كما كانت تقتصر ، فى بادئ أمرها على ممثل واحد مع أفراد الجوقة ، وكان "أرسطو" أول من نبه إلى أن الجوقة ليس لها طابع مسرحى إلا بمقدار ارتباطها بالحدث ولذلك مدح الشاعر "أسخليوس " (556 ـ 526 ق.م ) بأنه كان أول من قلل من أهميتها ، ومدحه كذلك لأنه بدأ فى مسرحياته بزيادة عدد الممثلين ، فكان حقا أب المأساة اليونانية ، يقول "أرسطو " : وكان "أسخيلوس" أول من رفع عدد الممثلين من ممثل واحد إلى اثنين ، وقلل من أهمية الجوقة ، وجعل المكانة الأولى للحوار ، ثم جاء "سوفوكليس " (495 ـ 505م ) فرفع عددهم إلى ثلاثة ممثلين ، وأمر برسم المناظر ، ثم عظم شأن المأساة واتسع مجالها ، فعدلت عن الخرافات القصيرة وعن اللغة الهازلة التي ورثتها عن أصلها الأسطوري واتسمت في النهاية بالجلال ،وكانت مسرحيات "أسخيلوس "يسودها سلطان القدر ،ويظل الإنسان فيها ضحية القدر دائما ،ثم تقدم "سوفوكليس"بالمأساة من الجانب الإنساني فإلى جانب القدر ،ظهرت حرية الإنسان جلية ،في صراع نفسي قاس ،فيه يتجلى انتصارالإنسان ،أو تبين عظمته الخلقية في صراعه إذا لم ينتصر .

  ثم خطا الشاعر يوريبيدس (506ـ480 ق.م) خطوات أخرى في إضفاء الصبغة الإنسانية والطابع الأقرب إلى الواقع على المأساة فبرع أكثرمن سابقيه في تصوير العواطف الإنسانية ،وجعلها محورا ً لأهمية المسرحية بدلا من القدر ،ثم لحظ شئون الحياة اليومية في مسرحياته ،وهاجم الآلهة الوثنيين ، كما هاجم النساء .

  وأعظم مؤلفى الملاهى من اليونانيين هو"أرستوفانس" (487ـ450ق.م)في أسلوبه وحواره وروحه المسرحية كلها .

  وكانت دراسة "أرسطو" للمسرحية اليونانية وبخاصة للمأساة ـ وهي التي وصلت دراسته فيها كاملة إلينا ـ ذات أثر كبير في سموالنظرة إلى المسرحية ،وفي النهضة بها ،لا في الأدب اليوناني فحسب ،بل وفي تأثير المسرحية اليونانية كذلك ـ بما لها من مميزات فنية ـ في الآداب العالمية بعده.

  ولم يكن اللاتينيون يعنون بالمسرح قبل معرفة الأدب اليوناني ،وقد ظل المسرح لديهم محاكاة للمسرح اليوناني في النواحى الفنية جميعها .

  ومن بين من برعوا في الملهاة من الرومانيين نخص بالذكر "بلوتوس" (384ـ354ق.م) وكان ذا أصالة في تصويرشخصيات ملاهية ، وعواطفهم ،في حوار حى ،وطرائف لاذعة عميقة ،وكان يحاكى شعراء من الإغريق ،وبخاصة "ميتاندر"(342ـ392ق.م)ومن أشهر ملاهى "بلوتوس"ـ التي كان لها تأثير في الآداب الأوروبية بعده ـ ملهاة "أولولاريا "أو "وعاء الذهب "وقد حاكاها "موليير"في ملهاته الشهيرة"البخيل " ،وكذا  ملهاة "أمفيتربون" وقدأثرت في الملاهى الأخرى التي تحمل نفس الاسم ،والتي قد ألفها "موليير" (1622ـ1673)و"دريدن(1631ـ1700)ثم "جيرودو" (1882ـ1944) .

  وفي العصور الوسطى نشأت المسرحيات كذلك نشأة دينية ،كما نشأت عند الإغريق على نحو ما قلنا فيما سبق ،فكانت موضوعاتها مأخوذة من الإنجيل ، تحكى ميلاد عيسى ،أو صلبه،أوحكايات القديسين ،أو خروج آدم من الجنة ، أو قتل قابيل هابيل.. وعلى الرغم من ذلك تأثرت ،في كثير من نواحيها الفنية وفي صياغتها ، بالمسرحيات اللاتينية ،لأن اللغة اللاتينية كانت هى لغة الكنيسة ، كما تأثرت بعض التأثر بالمسرحيات اليونانية من خلال مسرحيات اللاتينين .

  وفي عصر النهضة رجع الأوروبيون عامة إلى مسرحيات اليونانيين واللاتينيين، في الموضوعات والأفكار والنواحى الفنية جميعا.

  وفي الكلاسيكية قضى على الجوقة نهائيا كما كانت معروفة في الأدب اليوناني والرومانى ،وعصر النهضة ‘وذلك بفضل نقد "أرسطو" وتعليق شراحه من الإيطاليين أولا ،ثم من الفرنسيين .

 وقامت الرومانتيكية على أنقاض الكلاسيكية ،في أواخر القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر ،وقد خالفت الكلاسيكية في كثير من القواعد الفنية الخاصة بالمسرحية ،فلم تتقيد بضرورة توافر خمسة فصول لكل مسرحية ، وقضت على وحدة الزمن والمكان من بين الوحدات الثلاث التي راعاها الكلاسيكيين متأثرين بأرسطو عن طريق التأويل .

  وحرص الرومانتيكيون كذلك على عرض الأحداث على المسرح بدلا من حكاية الكثير منها كما كان عند الكلاسيكيين ،ولم يراعوا الفصل بين الأجناس المسرحية كما كان الكلاسيكيون ،بل خلطوا المأساة بالملهاة ليؤلفوا "الدراما " الرومانتيكية ، وإلى جانب هذه النواحى الفنية العامة ،تغير موضوع المسرحيات ومضمونها ، فصارت شخصيتها شعبية ،وقضاياها اجتماعية أونفسية إنسانية عامة ،بعد أن كانت المأساة مقصورة على الأبطال الإلهيين في المسرح اليونانى ،وعلى النبلاء والارستقراطيين في الكلاسيكية وصارت هذه الاعتبارات الفنية والاجتماعية عامة في الآداب الأوروبية منذ الرومانتيكيين.

  وبعد الرومانتيكية تغير طابع المسرحيات الفني والا جتماعي تبعا للمذاهب التي تلت الرومانتيكية ،من واقعية ورمزية ووجودية وواقعية اشتراكية .

  وقد رأينا ـ فيما سقنا من إجمال ـ كيف بدأت المسرحية غيبية في طابعها ، عجائبها دينية ،وبطولتها آلهية ،على نحو قريب من الملحمة في موضوعاتها الأسطورية وفي عجائب البطولة فيها ،ثم خلصت قليلا قليلا من هذا الطابع ،ولكنها ظلت استقراطية النزعة في المأساة حتى أواخر العهد الكلاسيكى ،ثم صارت موضوعاتها وقضاياها شعبية على يد الرومانتيكيين ،ثم نزلت أدنى طبقات الشعب ، وصورت الشر للتنفير منه على يد الواقعيين.

  وقد وضح مما سقنا إجمالا في المسرحية كيف تعاونت الآداب الأوروبية على خلق هذا الجنس الأدبي وتطوره ،وكيف تضافرت جهودها معا للنهضة به  حتى يستجيب للحاجات الفكرية والفنية لكل عصر ،ومواطن تلاقى تلك الآداب ـ على هذا النحو ـ موضوعات خصبة للدراسة المقارنة .

  وقد وجدت المسرحيات العربية في الآداب الغربية الدعامة الحق لنشأتها ونهضتها .

 وطبيعى أن تكون الترجمة أسبق من التأليف.

  وهذه المسرحيات المترجمة اعتمدت أولا على الأدب الفرنسي الكلاسيكى ثم اعتمدت ـ بعد ذلك ـ على المسرحيات الرومانتيكية الفرنسية في الأعم الأغلب من حالاتها ، ثم الإنجليزية في الحالات القليلة ،إلى جانب ترجمة مسرحيات "شكسبير"الذي هو أقرب إلى الرومانتيكيين في خصائصه الفنية ،ثم أخذت الترجمة تعنى بالدقة والوفاء للأصل وتشمل المسرحيات التي تمثل المذاهب المعاصرة من واقعية ووجودية.

  وأما فيما يخص المسرحيات الأصيلة غير المترجمة فقد كثرت وتنوعت اتجاهاتها، وهى في كل حالاتها لم تلتزم مذهباً معيناً، بل تأثرت بالمذاهب كلها ،وقد تأثرنا أولا بالكلاسيكية في الموضوعات والنواحى الفنية ،وسرعان ما تأثرنا إلى جانبها بالرومانتيكية في المسرحيات ذات الطابع العاطفي ،وفي المسرحيات التاريخية التي تشيد بالماضى الوطنى ،أوالماضى القومى.

  وأعقب ذلك ظهورالمسرحيات الرمزية في أدبنا ، والمسرحيات الرمزية المحضة قلما يتذوقها جمهورنا ،على أن كتاب المسرحيات الرمزية في الغرب قلما نجحوا فيها ذلك لغلبة الطابع التجريدى عليها وفقرها في تعمق النواحى النفسية ،ومثال هذه المسرحيات الرمزية المحضة عندنا مسرحية :"مفرق الطريق"لبشر فارس عام1937،وفيها يدور حوار بين فتاة اسمها :"سميرة" رمز الروح الذائبة في البحث عن الحقيقة ، ولكنها مقيدة بقيود المادة والعلم المادى بشروره ونقائصه، وبين فتى قريب منها في السن ، وليد المجتمع ، لا يستطيع أن يرقى لفهم المعانى المثلى التجريدية ،والصراع فكرى محض بين الماديات والتجريديات ،وبين نور العقل وظلمات العواطف في صلتيهما بالروح ، ورمزية بشر فارس في هذه المسرحية تذكر برمزية "فرلين "وبنزعة"بودلير"الرمزية.

 وقد حرص الأستاذ توفيق الحكيم على خلط الطابع الرمزى لبعض مسرحياته بقضايا اجتماعية عامة، أو آراء فلسفية في صلة الفرد بالمجتمع ،كما في مسرحيته "أهل الكهف "فليس المجال الغيبى فيها سوى قالب إيحائى عام يذكرنا بكثير من خصائص بعض مسرحيات "ماترلنك"البلجيكى ،وهو من أبرع من نجحوا في المسرحيات الرمزية في أوروبا ،وكما في مسرحية "نهر الجنون"لتوفيق الحكيم أيضاً، وفيها يمتنع الملك ووزيره من الارتواء من نهر الجنون الذى يرده أفراد الشعب جميعاً، فيجنون ، ولكن سرعان مايصبح الملك ووزيره هما المجنونين في نظر الشعب ، فيضطران بذلك إلى ورود نفس النهر . وهى قضية رومانتيكية كما هى قضية الوجوديين ومن لف لفهم اليوم .

  وكان الأستاذ محمود تيمور من أبرزكتاب المسرح الواقعى ،وهو إلى جانب أصالته في دقة ملحوظاته لشئون المجتمع ،وبراعته في وصف آفاقه متأثرا في وجهته الفنية العامة بنوع واقعية "جى دى موباسان"ثم الواقعية الأوروبية جملة.

 الفصل الرابع :

     النماذج البشرية

  قد يقوم الكاتب بتصوير نموذج لإنسان تتمثل فيه مجموعة من الفضائل أو الرذائل أومن العواطف المختلفة التي كانت من قبل في عالم التجريد ،أو متفرقة في مختلف الأشخاص وينفث الكاتب في نموذجه من فتنة مايخلق منه في الأدب مثالاً ينبض بالحياة ، أغنى في نواحيه النفسية وأجمل في التصوير ،وأوضح في معالمه مما نرى في الطبيعة وهذا هو ما نقصده من معنى النماذج البشرية في الأدب وطبيعي أن الأدب المقارن لا يحفل بدراسة هذه النماذج البشرية إلا إذا صارت عالمية ،فانتقلت من أدب إلى أدب ،وقد تحتفظ في انتقالها ببعض خصائص كانت لها في الأدب الذي نشأ فيه ،وتكتسب مع ذلك خصائص أخرى تبعد بها قليلاً أو كثيراً عن منشئها الأول ،وقد تكون هذه النماذج إنسانية عامة ،أو مأخوذة عن مصدر أسطورى أودينى أو عن تقاليد وطنية، وأخيراًقد تكون هي شخصيات تا ريخية دخلت ميدان الأدب ،ونوجز هنا القول في أنواع هذه النماذج مع ضرب أمثلة عامة لها تساعد على توجيه البحوث في دراستها دراسة مقارنة.

 1 ـ النماذج الإنسانية العامة:وفيها يتعرض الباحث للكشف عن الوسائل الفنية التي صور بها الكتاب في آداب مختلفة نموذجاً إنسانياًعاماًفي المسرحيات أو القصص أو الشعر الغنائى ،ومثل هذه النماذج لا تعد في الأدب المقارن إلا إذا انتقلت تاريخياً من أدب إلى أدب ،كما هو واضح من منهج الأدب المقارن .

ومن هذه النماذج الإنسانية العامة نموذج "البخيل" ‘ويبدو أن الشاعر "ميناندر" اليوناني كانت له مسرحية في ذلك النموذج لم تصل إلينا ،حاكاها الشاعر الروماني "بلوتوس"في مسرحيته التي عنوانها :"أولولاريا "أو"وعاءالذهب ".وبها تأثر موليير في مسرحيته الشهيرة:البخيل ،وفيها صور موليير شخصية "أرباجون" نموذجا ًإنسانياً للبخل ،وتعمق في تصويره أكثر مما فعل بلوتوس، بحيث ظهرت هذه الرذيلة الاجتماعية في صورها المختلفة الهدامة في علاقة البخيل بأولاده وفي نظرته إلى المجتمع حتى أن عاطفة الحب عنده لم تطغ على صفة البخل فيه، وقد ظهرت في المسرحية آثار هذا البخل الأليمة في أبناء ذلك البخيل ، مما أكسب هذه الملهاة طابعاً به يقرب الضحك المر من البكاء ، وتبدو من خلالها المأساة الاجتماعية في صورة ملهاة عميقة المعانى ،وتوالت بعد ذلك المسرحيات في الآداب الأوروبية تصورنموذج البخيل ،وأشهرها مسرحية الشاعر الإيطالى : كارلرجولدونى(1707ـ1793) وعنوانها البخيل ،ملهاة في فصل واحد ، وفيها يرفض البخيل "أمبروجيو" تزويج ابنة زوجته ممن تحب بخلا بجهازها فيقبل الفتى زواجها دون مال ،على شرط أن يوصى "أمبروجيو"لها بكل ما يملك ، وللمؤلف ملهاة أخرى عنوانها :"البخيل المتبرج"‘وفيها يصور نموذج البخيل الذي يظهر بمظهر المسرف ليفوز بزيجة غنية ،فيبوء بالفشل ، ولنفس المؤلف ملهاة ثالثة بعنوان :البخيل الغيور ،وفيها يسبب البخيل آلاماً جسمية لامرأته الفاضلة التي يحبها ، ويكتشف أن حب المال سبب بؤسه ، ولكنه لا يستطيع أن يقلع عن آفته تلك التي يشقى بها .

 2ـ نماذج بشرية مأخوذة من الأساطير القديمة : ويختار الكاتب منها ما يتسع للتأويل الخصب ، وما يتحول معناه إلى رمز فلسفى أو اجتماعى وتتنوع هذه المعاني عادة على حسب العصور المختلفة وماتتطلبه من كتابها من آراء ومثل ، وذلك مثل شخصية "أودبيوس" في مسرحيات أسخيلوس وسوفوكليس ويوريبيدس اليونانيين ،ثم في مسرحية سينيكا الصغير (4 ق.م ـ65م)وهو يعتمد على سوفوكليس ،وقد كثرت المسرحيات في شخصية أوديبوس في مختلف الآداب على توالى العصور، وقد سبق أن أشرنا إلى أشهر هذه المسرحيات وإلى معانيها المختلفة ، ثم أثرها في الأدب العربي .

  ومن الشخصيات كذلك نموذج : بيجماليون،فنان من قبرص هام بجمال تمثال من صنعه ،فرجا أفرو ديت أن يتزوج من امرأة تشبة التمثال ،ففعلت أكثر من ذلك، إذ وهبت التمثال نفسه الحياة عقابا ًله على إعراضه عن الزواج ،ويرمز بذلك إلى هيام الفنان بخلقه الفنى ،وأول من تحدث عنه في الأدب هو أوفيد الرومانى (42ق.م ـ107م)في قصصه في المسخ .ثم تناولها شعراء وكتاب من مختلف الآداب ، وخاصة من الإنجليز ، منذ الشاعر الإنجليزي :"جون مارستون"في قصيدته :"نفخ الروح في صورة بيجماليون".ثم في ملهاة وليم شوبنك جليبر التي عنوانها :"بيجماليون "‘وقد نشرت لأول مرة في لندن عام 1912،وبطله الذي يمثل بيجماليون فيها هو هينجز المتخصص في دراسة الأصوات ، يعجب بلهجة (إليز) بائعة الزهر ،لأنها في لهجتها غير المدنية تتيح له مثالاً فريداَ في دراسة الأصوات ، فيلقنها دروسا ًتظهر فيها ذكية بارعة ، وتظهر في المجتمعات الراقية بوصفها "دوقة" ،إذ أن تعليم الأصوات يتطلب تعليم النحو ،وتعليم النحو على طريقة سليمة يستلزم تهذيب الفكر والإحساس ،وبهذا التعليم تغيرت طبيعة الفتاة ،ولكن هذا التغيير كان شؤما عليها ،إذ ولد في نفسها صراعا ً بين إحساسها بالفرق بين الطبقة التي نمت منها والطبقة التي تحيا فيها ، وأشد ما يؤلمها أنها لمن تكن بالنسبة لأستاذها سوى موضوع للدراسة ، وتعطف عليها والدة "هيجنز" ،وتلوم ابنها على قلة اعتداده بالفتاة . وينتهى الصراع النفسي أن ترفض الفتاة البقاء في تلك الطبقة ، وتفضل الزواج بسائق سيارة أجرة ،وتأبى الزواج من أستاذها الذي خلقها واعتز بها حتى بعد أن أراد الاحتفاظ بها زوجة ، وفي هذا هجاء اجتماعي باحتقار الفتاة للطبقة الأستقراطية وما بها من تقاليد تافهة .

   وقد تأثر الأستاذ توفيق الحكيم بالأسطورة اليونانية ، وأول مالفت نظره إليها ـ كما يحكى هو ـ لوحة شاهدها في متحف اللوفر بباريس ، ثم أعاد تذكيره بها     "فيلم "عرض في القاهرة عن "بيجماليون "على حسب مسرحية "برنادشو" السابقة الذكر ، ولكن أصالة الأستاذ توفيق الحكيم تتجلى إلى جانب تأثره . ففي مسرحيته: "بيجماليون" ، يجعل الصراع يدور بين المثال الفنى في نظر الفنان المعتد بخلقه وبين واقع الحياة ، ثم ينتصر الأستاذ توفيق للفن ضد واقع الحياة الذي ينفر منه الفنان المخلص . ذلك أن "جالاتيا" ـ وهى رمز للخلق الفنى الذي يهيم به خالقه أولاـ لاتلبث بعد أن ينفث فيها الإله الروح أن تصبح رمزاً للمرأة في غرائزها الحيوية التي تدفعها إلى تفضيل الرجل الفنان المشتغل عنها بفنه فتهرب مع "نارسيس" المدلل المعجب بنفسه ، ثم تثوب إلى رشدها وتفئ إلى زوجها الفنان "بيجماليون" تستغفره عما فعلت وتقر بعظمته،وتقوم على خدمته كما تفعل الزوجات ، ولكن "بيجماليون" الفنان ينفر منها حين يراها تزاول أعمال البيت ، وتحمل المكنسة فتبعد بعملها عن صورتها المثالية التي سمت بها في ذهنه حين كانت تمثل الجمال الخالص ، ويثور الفنان على رؤية المرأة في صورتها الواقعية فيدعو الإله أن يردها تمثالا ًعاجياً كما كانت ،ثم ينهال على رأسها بالمكنسة .. وأكبرالظن أن بيجماليون لم يحطم تمثاله لخيبة أمله المزعومة في المرأة فحسب ، بل انتقاماً كذلك من التمثال الذي حرك بجماله غرائز الحياة في نفسه . وفي هذه المسرحية كانت شخصية "بيجماليون " تعبيراًعن شخصية الأستاذ توفيق الحكيم في معارضته الفن بالحياة ، ثم انتصاره للفن . وفي نفور الفنان من المرأة . لأنها ملهاة عن فنه . وتلك آراء الحكيم في المرحلة الأولى من حياته ، قبل أن يتطور نحو واقع الحياة الحق ، ويصبح رب أسرة في واقعه هو .

  3ـ نماذج مصدرها دينى :

  وهي المأخوذة من الكتب المقدسة وغالباً ما يبعد بها الكاتب أو الشعراء قليلاً أو كثيراً من مصادرها.. وطبيعي أنا لا نحفل هنا إلا بالشخصيات العالمية ،أى التي انتقلت من أدب أمه إلى أدب أمة أخرى ،كي تجد طريقها إلى الدراسات المقارنة .

 ومنها شخصية "يوسف" وشخصية "زليخا" في الأدب الفارسي ،كما أخذتا عن القرآن ثم عن التوراة وشروحها . وقد صورهاتين الشخصيتين في الأدب الفارسي شاعران ،هما الفردوسى . المتوفى حوالى عام 1021م. ثم بلغ بالشخصيتين قمتهما الفنية في التصوير الأدبي ، الشاعر الفارسي الآخر عبد الرحمن الجامى ، المتوفى 1492م وقد بعدت هاتان الشخصيتان قليلاعما نعرفه من القرآن ، بل وضحت صبغتها الصوفية في قصة جامى . فيوسف في هذه القصة يعتقد ـ كما يعتقد الصوفية ـ أن التأمل في الجمال الإنساني يقود إلى الله ذى الجمال المطلق ، فهو ينصح الأميرة المصرية بازغة ، حين أتت إليه مدلهة بحبه ، قائلا. الجمال في الخلق انعكاس عابر لا يطول بقاؤه ، كنضارة الورد فإذا أردت الخلود فتوجهى إلى أصل الأشياء ".وقد ترهبت الفتاة على الأثر . وزهدت في خير الدنيا وزليخا ترى في حلمها ـ وهي فتاة صغيرة ـ"يوسف". قبل أن تعرفه ويبدو لها في حلمها أنه سيكون زوجها المقبل ، ثم تعرفه بعد ذلك وهو أمين مخازن زوجها . وكانت مقيمة على حبها لفتى حلمها .  إنها تظل عذراء مع زوجها طوال حياته ، وهذا قريب من الزواج الصوفى الذي عزاه الصوفية كذلك إلى شخصية ليلى في الأدب الفارسي والتركي وتظل العاطفة قوية لدى زليخا . كما تظل ليوسف نظراته الصوفية، حتى يسلم بتوله زليخا في حبه ، وأنها ـ وقد هرمت وعميت ـ تقيم في كوخ من اليراع تستمع إلى وقع سنابك حصان يوسف على الطريق ، فيدعو الله أن يردشبابها وبصرها ‘ويستجيب الله له ،ثم لا يلبث بعد زواجه أن يمل نعيم هذه الدنيا ‘فيسأل الله أن يجعل برحيله إلى دار النعيم فتموت زليخا حزنا عقب وفاته.

 ومثل آخر لهذه الشخصيات يتمثل في "قابيل" أول قاتل على وجه الأرض ،ومثال الساخط المتمرد ، الضائق الذرع بما لا يعرف له كنهاً من مسائل الخير والشر ووجود الخلق. وهو كذلك في أدب الرومانتيكيين، كما في مسرحية بيرون التي عنوانها "قابيل" . وقد تأثر به الشاعر الفرنسي البرناسى :"لو كنت دى ليل" ثم الشاعر الرمزى بودلير.وقد عبروا به عن مظاهر حيرة الإنسان وثورته على ما يراه ظلماً . وتمرده الميتافيزيقى . وضلاله في سبل لا يهتدى فيها تفكيره ،في حين هو مسوق إلى السير فيها . ثم عن بئسه حين يتخذعقله وحده رائداً له .  

4ـ نماذج مصدرها أساطير شعبية:

  والأدب المقارن لا يعالجها إلا إذا أصبحت عالمية ، فتناولها كبار الكتاب في مختلف الآداب ، وإلا فإن الأدب المقارن يتخلى عنها للباحثين في الأدب الشعبى والتقاليد الشعبية ، فشخصية "جحا "لم ترق عندنا إلى مرتبة أدبية عالمية . في  حين صارت كذلك شخصية شهرزاد . وهذه الشخصية الأخيرة مصدرها الأول قصص ألف ليلة وليلة الفارسية الأصل .بعدأن اصطبغت بالصبغة المصرية ، وقد انتقلت شهرزاد إلى الآداب الأوروبية صورة لمن يهتدى إلى الحقيقة ويهدى إليها عن طريق القلب والعاطفة .

  وكانت القصص التى حكتها شهرزاد ـ عند الأوروبيين ـ ترمز كذلك إلى هذه القضية الكبرى الرومانتيكية في نصرة القلب والعاطفة على التفكير المجرد ، فمثلا قصة: علاء الدين والمصباح السحري كان فيها نور الدين مثال المفكرالذي لا يصل إلى الحقيقة لأنه يريد الاهتداء إليها بعقله ،في حين يهتدى إليها علاء الدين بسذاجته وطهره ورقة عاطفته ، وصار المصباح السحرى رمزاً للعبقرية التي يصل بها المرء إلى كنوز المعرفة والسعادة عن طريق القلب والهداية العاطفية والإلهام . وأثر ذلك الإدراك الرومانتيكى لهذه الشخصية واضح في مسرحية "شهرزاد" للأستاذ توفيق الحكيم ، وفي قصة " القصرالمسحور" للأستاذين الدكتور طه حسين والأستاذ توفيق الحكيم معاً ، وقصة "أحلام شهر زاد" للأستاذ الدكتور طه حسين ، وفي هذا كله تقرب شخصية شهر زاد الرومانتيكية من شخصية مرجريت وهيلين في مسرحيتى جوته اللتين عنوانهما فاوست ، كما تقرب شخصية شهريار في مسرحية الأستاذ توفيق الحكيم من شخصية فاوست في مسرحيتى جوته السابقتين اللتين عنوانها "فاوست" .

  والأصل في شخصية "فاوست" أسطورة شعبية ألمانية ،موجزها أن عالماً كيمائياً يسمى "فاوست" ولد في أواخر القرن الخامس عشر، وكان سكيراً كسولاً حياته غامضة عجيبة ، وعلى الرغم من وجوده تاريخياً ، فقد حاكت الأساطير الشعبية حوله كثيراًمن الأقاصيص ، فزعمت أنه كانت له صلة قرابة بالشياطين ، وأنه كان ساحراً، وله قدرة على مخاطبة الموتى ،وقد وقع بدمه عقداً مع الشيطان ،عاهده فيه أن يطيعه ، على أن يرجع له الشيطان شبابه ، وقد كانت حياته الغامضة العجيبة ، وموته المبكر (عام1539،أو عام1543) من العوامل في ميلاد هذه الأساطير ، وتحكى بعض هذه الأساطير أن "فاوست" مات طريداً من رحمة الله عقاباً له ( وهى الأسطورة التي أخذ بها الشاعر الإنجليزى "مارلو" ‘المعاصرلشكسبيرفي مأساته التي صدرت عام1604، وفيها يبث في الأسطورة معاني إنسانية عميقة) ـ في حين تحكى أساطير أخرى أنه إنما باع نفسه للشيطان ليرضى نفسه في معرفة الحقائق ، وأنه عصى الشيطان بعد ذلك فغفر له ، واهتدى إلى  الحقيقة . وهذه هي فكرة جوته في مسرحيتيه السابقتين ، وصارت الشخصية عالمية بفضل جوته ، وأصبحت قالباً لتصويرالأفكار الفلسفية والمعانى الإنسانية في الأدب . ومن مشاهير من عالجوا الموضوع بعد ذلك بول فاليرى ‘ثم توماس مان .

  هذا، ولأسطورة "فاوست" نظير في أسطورة شرقية بطلها يسمى "تيوفيل" الذي وقع عقداً مع الشيطان ليعيده إلى رتبة كنسية كان قد فصل منها ،ولكنه لا يلبث أن يندم ،ويصلى أربعين يوماًوليلة ،فتقبل توبته ،ويعترف بذنبه أمام الناس ، ويموت على الأثر ،وهذه الأسطورة رويت عن رجال كنيسة في آسيا الصغرى ، ونظم فيها كثيرمن شعراء العصور الوسطى . من أشهرهم الشاعر الفرنسي "روتبوف" ‘توفي في القرن الثالث عشر الميلادي ‘ولكن هذه الأسطورة الأخيرة لم ترتق إلى المكانة العالمية في الأدب .

  وهكذا تطور الموضوع تبعاً لاتجاهات الكتاب الذين عالجوه وتبعاً لفلسفتهم في الحياة ،وميولهم الخلقية ، والنزعات السائدة في عصرهم ،ويسهل تأويل هذه الشخصيات المأخوذة من أساطير شعبية ،فتبعد كثيراًعن معانيها الأصيلة كما وردت في تقاليد الأمم التي نشأت فيها ،وكما أرادها أوائل من عالجوها في أعمالهم الأدبية وذلك أن الحقائق التاريخية فيها ضئيلة إذا قيست بالشخصيات التاريخية .

   5ـ الشخصيات التاريخية :

  وذلك حين تدخل نطاق الأدب على يد عباقرته ،فتصبح قوالب أفكارعامة اجتماعية وفلسفية ،وتكتسب طابعاً أسطورياً فتتسع للتعبيرعن فلسفات مختلفة ، وتكون منفذ لتيارات عالمية فنية وفكرية .

 ونشير هنا إلى شخصية ليلى وشخصية المجنون في الأدبين العربي والفارسي .

  ومن الشخصيات التاريخية التي لقيت حظاً فريداً في الأدب ، شخصية كيلوباترا ، فقد اهتم بها الكتاب والشعراء منذ العصور القديمة ، وجعلوا منها مادة خصبة لأفكارهم وخيالهم ، وذلك أنها عاشت في فترة تاريخية خطيرة ،وكان صراعها مع أكتافيوس متعاونة مع أنطونيوس ممثلا لصراع حاسم ،فكلا الفريقين لو انتصر لساد العالم. فكان هذا في الواقع صراعاً بين الشرق والغرب ،ولعبت كيلوباترا دوراً كبيراًفي هذا الصراع بجمالها الذي أوقع في حبها القائد الرومانى ،والحب عاطفة فردية هينة في أصلها ، ولكنها تمخضت في شخصية كيلوباترا عن نتائج خطيرة وطنية وعالمية .ويعبر باسكال الفرنسى عن هذا المعنى بقوله : "لو كان أنف كيلوباترا أصغرمما كان لتغيروجه الأرض كله .وفي ذلك كله تهيأت تلك الشخصية ـ بمعانيها العاطفية ،ونتائج أعمالها التاريخية ـ للدخول في الأدب . فكانت كيلوباترا ممثله للقوة وسحر الإغراء . والخدعة ،والإغراق في الملذات، والكبرياء وحب السيطرة ،والاعتداد بالنفس ،وبراعة الحيلة ،وأول مسرحية فرنسية في عصر النهضة كان موضوعها "كيلوباترا "ألفها الشاعر جودل (1532ـ1573) وعنوانها "كيلوباترا"الأسيرة ، وبعده ألف صموئيل دانيل الإنجليزى مسرحيته "كيلوباترا"(1594) وقد صارت الشخصية عالمية في الأدب بعد أن تناولها شكسبير في مسرحيته أنطوان وكيلوباترا . ومن أشهر من تناولوا هذه الشخصية في الأدب الإنجليزي ـ بعد ذلك ـ جون دريدن،في مأساته كل شئ في سبيل الحب أو العالم المفقود ثم برناردشو(1856ـ1950)في ملهاته "القيصر وكيلوباترا"‘ مثلت عام 1912،وفيها يصور حب كيلوباترا في صغرها ليوليوس قيصر ، وهو الحب الذي انتصرت به على أخيها ، بمناصرة يوليوس قيصر لها فاستولت على عرش مصر.

  ومن أشهر المسرحيات الفرنسية ـ في الموضوع كذلك ـ مسرحية لاشابل وعنوانها"موت كيلوباترا"(1608)ثم مسرحية "كيلوباترا التي ألفها "مار مونتل" عام1750، ومسرحية أخرى بنفس العنوان للإسكندرسومية ،ثم مسرحية : "كيلوباترا" للسيدة جيرادون(1847).

  وأكثرمن صوروا هذه الشخصية في تلك الآداب كانوا يرون في "كيلوباترا" صورة للعقلية الشرقية في نظرهم ، وفي ميلها إلى لذة العيش ومتاعه ،والانتصار بالخديعة لا بالجهد، وسلوك سبيل المكر والحيلة ،وطالما هاجموا الشرق فيها ، وهاجموا مصرفي  القديم . 

 وقد أراد "شوقى" أن يرد عليهم بالدفاع عن "كيلوباترا " في مسرحيته "مصرع كيلوباترا" لا بوصفها ملكة ، بل بوصفها مصرية شرقية ،فقد قدمها في صورة المخلصة لوطنها وتؤثره على حبيبها وتحيا وتموت لمجد مصر ،وتأبى أن تسأم الذل . ولسنا بصدد شرح ذلك في مسرحية شوقى ، ولا بسبيل بيان إلى أى حد نجح في تصويره شخصيتها فنياً، ولكننا نقرر أنه أسهم بعمله في موضوع عولج قبله ، وأراد أن يقاوم آراء كتاب الغرب فيه .

  هذا .. وبعد أن بينا أنواع هذه الشخصيات علينا أن نختم موضوعنا ببيان

منهج الأدب المقارن في دراستها : 

     وكما يتضح من الأمثلة التي ذكرناها في دراسة مختلف الشخصيات ،قد تتعدد نواحى المعنى الأدبي للشخصية على يد مختلف الكتاب ،بل قد تتضاد هذه المعانى وتتضارب ،تبعاً لتأويلات المؤلفين واتجاهاتهم وغاياتهم فيما يكتبون ، ولتعدد معانى كل من هذه الشخصيات قد تبدو وحدة البحث مبتورة أمام من يتعرضون لمعالجة هذه الموضوعات .ولهذا يجب أن يهتم الباحث بالصلة التاريخية بين مختلف الكتاب ،وبعلاقة التأثير والتأثربين الأدبين ،ثم يجب ألا يغفل المعنى الرمزي للشخصية التي يعالجها ،وقد يكون هذا المعنى الرمزي فلسفياً أواجتماعياً أو دينياً..ولكنه في كل الأحوال لب الموضوع ، وروح الشخصية التي أحياها الكاتب بقلمه.

  والذي لا مندوحة عنه هو أن الموضوع يجب أن يبحث أولا في أصله ونشأته ـ وبخاصة إذا كان تاريخياً ـ وأن يوقف على الأسباب التي دفعت به في طريق الأدب ،ثم يبحث عن ناحية اتساعه وانتشاره في مختلف الآداب ،ثم من ناحية تطوره وتسلسله في مختلف العصور .

  الفصل الخامس:

تأثير كتاب أدب من الآداب في الآداب الأخرى

  هنا ننتقل إلى ميدان آخر من ميادين الأدب المقارن ،هو ميدان المؤلفين وتأثيرهم على كتاب أو على بيئة أو جنس من البيئات والأجناس الأدبية في بلد آخر ،سواء أكان التأثير لكاتب واحد أو مجموعة من الكتاب ، وهذا المجال هوأقرب مجالات البحث إلى روح الأدب عامة ،ذلك أننا كلما تناولنا في بحوثنا الكتاب وخصائصهم في إنتاجهم كنا في ميدان الأدب وفي مواطنه الصحيحة ،على حين نكون أقرب إلى ميدان الأفكار العامة أو الفلسفة منا إلى ميدان الأدب المحض ،إذا رمينا إلى دراسة المعانى المجردة والكليات والأجناس الأدبية المتنوعة ،ويكفى لتوضيح ذلك أن نذكر أن للكتاب فردية يتميزون بها بعضهم عن بعض ، مهما انضموا تحت لواء أدبى واحد، وهذه الخصائص تجعل القواعد العامة الأدبية من باب التقريب والتنظير ، لا من باب التحديد العلمي المعزز بالنصوص التي هي مادة الأدب وروحه . ولذا يجب ألا يغيب عن الذهن في الدراسات الأدبية أنه لابد من الرجوع إلى النصوص ومقارنتها ، بعد تحليلها تحليلا وافياً ، حتى لا تصبح الدراسات غامضة عامة ، تحيد عن الدقه العلمية ، فتفقد معناها ، فإذا أخذنا مثلاُ في الأدب الفرنسي فينى وموسيه من المدرسة الرومانتيكية ، فما أبعد الفرق بينهم بالرغم من إنتمائهم جميعا إلى مدرسة أدبية واحدة ، فعند فينى تشائم عميق ، وسخرية مره من روح الدهماء ، وكبرياء الاستهتار أمام المآسي الاجتماعية ، وله تفكير فلسفى لا يلتزم حدوداً ، وأما هوجو فينبض حساسية ورقة ، ويؤمن على طريقته بالدين ، ويدعو إليه في حدود فلسفته ، وأما موسيه فيقف بين بين ، فيبدو مرهف الحس رقيق الشعور في تشائم غير عميق .

   فإذا ما انتقلنا إلى ميدان الأدب المقارن وجدنا البون كذلك شاسعا بين هؤلاء جميعا وبين بيرون وهو من نفس المدرسة في دعوته للحرية الفكرية ، وفي سخريته المرة بالعادات والتقاليد ، وفي استيحائه للشرق موطناً للذات وللأسرار العميقة .

  فمن الخطأ: إذا ً ، في الدراسات الأدبية أن نبعد لحظة عن دراسة النصوص وعن دراسة الكتاب ،حتى حين تريد أن تستنتج قواعد عامة تخص الأجناس الأدبية والتيارات الفكرية مثلا، ولهذا كان الباب الذي نحن بصدده وهو تأثير كتاب في كتاب أو مجموعة من الكتاب أدخل في معنى الأدب عامة .

  ومنهج الأدب المقارن في هذا الفرع منه ما يتعلق بالبحوث التمهيدية العامة ومنه ما يتعلق بحالات الكتاب أو الآداب المؤثرة ،ومنه ما يتعلق بحالات الكتاب أو الآداب المتأثرة ،ونوجز القول في كل منها :

  1ـ ونقطة البدء في البحث هي أن يؤخذ كاتب ما أو جماعة من الكتاب أو أدب أمة بأسره كمركز إشعاع للتأثير ثم يبحث عن صلتهم بكاتب أو بمذهب أدبي أو بأدب أمة بأسرها كمركز إنعكاس للتأثير وقد لا يستغنى عن اعتبار كتاب آخرين وسطاء بين المجال الأول المؤثر والمجال الثاني المتأثر ،وهؤلاء الوسطاء يلعبون دوراًهاماً في التأثير والتمهيد له بأفكارهم ونقدهم وأحياناً بذات أنفسهم .

  وأول ما يلفت نظر الباحث ويدفعه إلى استطلاع معالم الصلات الأدبية هو التشابه في النصوص لكاتبين أو لعدة من الكتاب في آداب مختلفة تشابهاً يحمل على الظن بأن هناك صلات تاريخية بين هؤلاء الكتاب ،ومن هنا يجب الكشف عن تلك الصلات وتحديدها ، ويبحث أولاً في تاريخ تأليف نصين ،لمعرفة إمكانية التبادل  الزمنى بين المجالين ،وقد يغنى عن كل ذلك نص واضح من المؤلف يعترف فيه أنه حاكى أو تأثر أو أعجب بأفكار الكاتب الأجنبى ويكون هذا الاعتراف مفتاح البحث المثمر الأكيد .

  وإذا لم يكن هناك نص صريح نستدل به على التأثر الأدبى ،وجب التثبت من معرفة قرائن أخرى لإثبات الصلات التاريخية بين الأدباء ، فقد يكون التشابه بين النصين خادعاً، فيظن أنه وليد التأثر الأدبي ،وما هو في الواقع إلا نتيجة لملابسات متشابهة أوحت بنفس المعاني للكاتبين بدون قيام صلة أدبية بينهما ، أو وليد حركة اجتماعية عامة بها اتحدا اتجاه الكاتبين ، بل قد يكون التشابه الأدبي نتيجة مصادفة ،أو من المواضع المشتركة بين القرائح الإنسانية ،وقد يكون من المهم تمييز الأسباب المختلفة ،غير أن الوقوف عند مجرد التشابه دون أن تكون هناك صلة تاريخية ليست له أهمية في الدراسات المقارنة .

  وبعد التأكد من قيام الصلات التاريخية بين الأدبين ، يجب أن يمهد الباحث لدراسة مظاهرها التفصيلية ببحوث عامة تسبق التفاصيل المستفادة من النصوص ، وموضوع هذه البحوث هو بيان العوامل التي أدت إلى تكوين الصلات بين الكاتبين أو بين الكتاب أو بين الآداب ، بحيث تحققت بفضلها تلك القرابة الأدبية ،وذلك اللقاح الفكرى ، ولا تنشأ في العادة صلات قوية بين الآداب إلا إذا سبقتها صلات سياسية أواجتماعية أو فكرية بين شعوب تلك الآداب .

  وأمامنا مثل واضح للصلات ذات الآثار البعيدة بين الأدبين :الإيرانى والعربى ، بعد الفتح الإسلامي .

  وقد تكون العوامل التي ربطت بين أدبين أو بين كاتبين هى مجرد وسطاء مهدوا بكتابتهم للتعرف بالبلد أو بالأدب الذي يدعون إليه ، كما فعل كارليل في تعريف الإنجليز بالأدب الألماني ، وكما فعل فولتير في الدعاية لشكسبير ، وكما صنعت مدام دى ستال في تعريف الفرنسيين بألمانيا وبالأدب الألمانى.

  والكتاب من الرحالة عامل هام كذلك في هذا النوع من التأثير ، وقد كانت إيطاليا قبلة الأدباء في عصر النهضة ، وكان هذا سبباً في تعريف أوروبا بالأدب الإيطالى..

   ينتقل الباحث بعد ذلك إلى مسألة أخص ، وهى الطريقة التى وصلت بها المعارف الأدبية إلى الأدب المتأثر ،وكيف عرفها ذلك الأدب عن طريق الترجمة، أو عن طريق الإطلاع عليها في نصوصها الأصلية ، وما نوع الترجمة التي أطلع عليها ؟ أكانت وفيه للنص أم تصرف فيها ؟ وما قيمة هذا التصرف ؟ وما مسلك الكاتب حياله ؟..

  ومن المعلوم أن الكاتب لا يهضم إلا مايتفق مع ميوله وآرائه , ولكن التأثير قد يكون قوياً فيغير هذه الميول ويحولها ، أو يخلق ميولاً أخرى لتخلفها ويتوقف كل هذا على قوة المؤثرات، وعلى البيئة الاجتماعية ، وعلى مطالب العصر الذى عاش فيه الكاتب ، وعلى الدور الذى يلعبه النقد الأدب في العصر ، من حيث تنمية الاتجاهات والتيارات الجديدة ، ومن حيث الترويج للأدب المؤثر والترجمة منه ، وما مثل بودلير وترويجه لإدجار آلان بو ببعيد ، وكذا مثل ابن المقفع وترويجه للأدب الإيرانى لدى العرب ولذا يجب الإطلاع على آراء النقاد ، وعلى المجلات والجرائد التي هي مظنة لوجود آرائهم وبها تكتشف اتجاهات العصر ، وميول الكتاب الأدبية .

 2ـ وإذا راعينا حالات الأدب المؤثر ، فقد قلنا إنه قد يكون كاتباً او جملة كتاب مشتركين فى اتجاه واحد، ومنتمين لمدرسة أدبية  واحدة ، وقد يكونوا مختلقين ، وقد يكون أدب أمة بأسرها ، ثم إن هؤلاء الكتاب قد يؤثرون بأشخاصهم ، كما أثرت شخصية روسو بصراحته وفصاحته ،ودفاعه عن حقوق الإنسان ، وبشدة حساسيته واحتدام عواطفه ، حتى صارت شخصيته مثلا يحتذى ومثلها شخصية فولتير في سخريته وتهكمه .

  وقد يكون تأثير الكاتب من جهة أخرى غيرجوانبه الشخصية فتختفي في هذه الحالة العناصر الفردية لتحل محلها الاتجاهات العامة من الأفكار والنواحى الفنية والأجناس الأدبية ، ثم نواحى الصياغة والأسلوب ،وهنا نضرب المثل برؤساء المذاهب الأدبية مثل هوجو وزولا ويلتحق بهم في نوع تأثيرهم جوته وشكسبير ‘وقد تأثرنا في أدبنا الحديث بأنواع من التأثير بهذه المذاهب .

 3ـ ونكتفي هنا بتلك الأمثلة لكى نشرح الآن موجزين الحالات المختلفة التي يتعرض لها الباحث في دراسته للأدب المتأثر ، كما شرحناها سابقاً في الأدب المؤثر .

  وقد قلنا أن نقطة البدء هى التشابه في نصين لكاتبين مختلفين تشابها لا يحتمل أن يكون سببه غير التأثير واللقاح الفكرى نتيجة لتبادل الصلات التاريخية ،ونقصد هنا التشابه بمعناه الواسع الذي لا يقف عند حد الأفكار الجزئية أو المحاكاة المباشرة ، فقد لا يهتم الكاتب الذي خضع للتأثير بمحاكاة أفكار سابقة له محاكاة مباشرة ،بل يستفيد من الأثر الأدبي الذي أعجب به، ويستلهم روحه في مؤلفاته ، وتلك الروح التي تتراءى في الطابع العام الذي يصبغ به فكرته ،وقد ينعكس ذلك في مرآة شعره أو في نوع الموضوعات التي يعالجها ، ومثل ذلك بودلير في تأثره بالكاتب الأمريكى إدجار آلان بو ، فإن الذي يريد أن يحدد التأثير والتأثر بينهما  لا يبحث عنه في تفاصيل الأفكار ، ولكن في الاتجاهات ونوع الخيال بصفة عامة ، ويستعان في ذلك بمقالات النقد لدى هذين المؤلفين وتطبيق مبادئها على مؤلفاتهما ؛لكى يستطاع بعد ذلك الوصول إلى القواعد العامة للصلات الفكرية والأدبية بينهما .

  ومن الواضح أن التأثر قد يكون في الجنس الأدبي أو الأفكار والإحساسات ،أو في الناحية الفنية في الصياغة والأسلوب ، أو في استعارة شخصية واحدة من مسرحية اشتهر مؤلفها باختراع تلك الشخصية ،كشخصية "السيد" وخادمه المستعارين في الأدب الفرنسي (كما في بون مارشيه مثلا )عن سرفانتس الأسبانى في قصته المسماة "دون كيخوته" ،ولا يصح أن تصرفنا أقوال كاتب أو تصريحاته عن أن ننقدها ؛ لنرى مدى صدقها في ملكة خيال الكاتب الذي يمكن أن يكون قد تأثر به، فقد نقد فولتير شكسبير نقداً قاسياً ،وعرفه بأنه عبقرى ولكن ليس عنده مثقال ذرة من الذوق . وبالرغم من ذلك النقد نراه قد تأثر به ،مثلا في اهتمامه بالناحية التاريخية في مسرحياته ،وفي استعاراته منه للمواقف التي يتبادل فيها أبطاله ضربات الخنجر ،وبإدخاله في مسرحياته للأشباح ،على مثال شكسبير ، وقد حذر عبدالرحمن الجامى من قراءة الفلسفة اليونانية ،في حين تأثر هو بها تأثراًعميقاً.

  إذن فالأدب المقارن يهتم بدراسة الصلة بين الكتاب أيا كان مظهرها سواء كانت بالترجمة ـ وقد سبق أن بينا أهميتها ـ أم بالتقليد ـ وهو أدنى مرتبة من التأليف ـ أم بإنتاج شخصى تظهر فيه ألوان التأثير من خضوع للكاتب المؤثر ، أو تحويرها بما يتفق وذوق الكاتب ، أو ميول العصر أو من تمرد عليه ومقاومة له .

  وفى عالم الأدب الغربى كثرت بحوث الكتاب فى هذا الباب ، حتى إنه يضيق المجال هنا عن سرد أسماء الكتب وباحثيها فى هذا النوع من الأدب المقارن ، ولكن مثل هذه البحوث فيما يخص الأدب العربي لم تكد تبدأ بعد .

  وحسبنا أن نذكرـ فيما يخص الأدب العربى والفارسى ـ أمثلة عامة يمكن أن تكون مجالاً للدارسين ، وسنختم بتلخيص موجز كل الإيجاز لتأثير جوته فى الأدبين الفرنسى والإنجليزى .

  وقد لقى كثير من كتاب العرب حظاً كبيراً لدى أدباء الفرس ، فتأثر هؤلاء بهم تأثيراً عميقاً ، ولكن هذا التأثر كان فى صورة اتجاه عام أدبى أو فنى ، لا صورة فلسفة خاصة أو تيار فكرى ، فنجد أن عبدالحميد الكاتب ومن تبعوه فى الرسائل والاطناب فيها وصياغتها الفنية قد أثروا بطريقتهم فى هذا الجنس الأدبى الفارسى  وظهرت آثار ذلك التأثير واضحة كل الوضوح فيما بقى لنا من رسائل فارسية ، سواء أكانت هذه الرسائل من قبيل الرسائل الرسمية فى الدواوين وبين الملوك ، أم قبيل الرسائل الخاصة .وأوضح مثل لذلك مااحتواه من رسائل كتاب "التوسل إلى الترسل" الذى جمعه وألفه بهاء الدين محمد البغدادى حوالى منتصف القرن الثاني عشر الميلادي .

 ومثل آخر تأثير الهمذانى والحريرى فى القاضى حميد الدين البلخى وهنا أيضاً ظهر التأثير العربى فى مظهر جنس أدبى هوجنس "المقامات " بكل مميزاته العربية ،فقد حذا الكاتب الفارسى حذو سابقيه فى هذا الباب ، حتى يمكن أن نعد تأثيره بهما من باب التقليد الذى لا جديد يكاد يذكر فيه .

 ونختم بمثال يتبين به كيف تتنوع ألوان التأثير الأدبى لكاتب واحد تبعاً لاختلاف العصور ولتعدد اتجاهات الكتاب وتأويلاتهم ، وهذا المثال هو :

  تأثير جوته في الأدب الفرنسي والأدب الإنجيزي والأدب العربي :

  ظهر أول تأثير لجوته في هذين الأدبين بظهور قصة :آلام فرتر (1774)وقد ترجمت هذه القصة إلى الفرنسية عام 1776، وإلى الإنجليزية عام1779،واستقبلت فيهما استقبالا طيبا ً وتعددت تراجمها ،وكان لنجاحها أكبر تأثير فيما انتشر في ذلك العهد عند الرومانتيكية مما كانوا يسمونه :"داء العصر "وهو ما كان شائعاًمن القلق الفكرى ،ومن ضيق النفس بمتاعب الحياة وشرورها ،وظهر أثر ذلك في الأدب الفرنسى في مثل شخصية رينيه عن شاتو بريان ،وفي مسرحية  شاترتون لا لفريد دى فينى وفي الأدب الإنجليزى في كثير من مؤلفات بيرون وفي أشعار شيلى ،وقد طغى تأثير بيرون وشيلى في إنجلترا حتى نسى بهما تأثير جوته نفسه.

  وبينما كان الفرنسيون يستطلعون النواحى الفنية والأدبية لجوته ،إذ كارليل يطلع على قومه بزعم جديد ،ونجد من فصاحته في أسلوبه ما يدعم به هذا الزعم ، وهو أن جوته حكيم يدعو إلى الخلق القويم والمثابرة في خدمة الحق وأداء الواجب ، وظلت الناحية الخلقية من جوته هي التي يراها الأدباء من الإنجليز مدة نصف قرن ،تبعاً لزعم كارليل ، وأوحت لهؤلاء الأدباء بكثير من القصص التربوية والخلقية والدينية .فقد رفع كارليل جوته إلى مرتبة الملهمين ، بل إلى مرتبة الموحى إليهم ، ووضعه في صف الأبطال المدافعين عن الخلق والدين وبذا ظلت مجهولة لدى الإنجليز جوانب السخرية والدعاية للاستماع بالملذات عند جوته ، وكذا جانب التجديف والإلحاد .

  وظلت فرنسا تهتم أولا بالناحية الأدبية من مسرحية فاوست التي ترجمت إلى الفرنسية عام 1828، ونسج الكتاب الفرنسيون على منوالها في تأليف مناظر مسرحية غنائية ،مثل : "فاوست ومرجريت "لشارل جونو ،ومثل :"لعنة فاوست " تأليف برليوز.

  فلم يلتفت الفرنسيون أول معرفتهم بجوته إلى الناحية الفلسفية في مؤلفاته ، ولكن سرعان ما تنبهوا إليها فأصبح فاوست رمز الشخصية الرومانتيكية ،لا في حرصها على معضلات هذا العالم فحسب ، بل وفي تطلعها إلى عالم خير من الذي نحن فيه ،حيث ترتوى بالمعرفة غرائز الإنسان وتسمو عواطفه فيزهد في الملذات وفي دواعى الهوى ، ويرقى إلى الكمال ، كما أن الشيطان يمثل في مسرحية فاوست عنصر الشر تمثيلا فلسفياً، فيه من الحرية الفنية ما أوحى إلى كثير بالتخلص من الكلاسيكية .

  وقد رأى أصحاب نظرية الفن للفن في جوته الفنان المثالى ،فقد رمى تيوفيل جوتييه مثلا إلى محاكاته في مجموعة أشعار :"ايمووكاميه" ‘ثم تعمق ناحيته الفلسفية أصحاب المدرسة البارناسية ومن لف لفهم ،ومن رأوا في جوته للفلسفة الهيلينية ، ومن هؤلاء "لو كنت دى ليل"‘و"أناتول فرانس"

  وآخر مرحلة أثر فيها جوته في الأدب الفرنسي كان تأثيره بحياته وشخصيته  ،لا بمؤلفاته وأفكاره . ففى أشعاره ومسرحياته مآخذ ونقص إذا اعتبرت في نفسها ، ولكنها إذا وضعت موضعها من حياة مؤلفها فإنها تمثل ألوانا طيبة من تلك الحياة الغنية الزاخرة ،وتؤلف بهذا الاعتبار مجموعاً متناسقاً حيا لا مآخذ عليه ،وقد أثر بهذا المعنى في كثير من كتاب فرنسا وهذا ما يشرح كلمة أندريه جيد :"إن جوته يرتفع فوق أنقاض نفسه ،فكل ذرة تسقط منه تقع مستقيمة تحت قدميه لتشغل مكانها في قاعدة تمثاله الخالد ".

  هذه هى وجوه التأثير المختلفة التي أثر بها جوته في الأدب الإنجليزي والأدب الفرنسي في مختلف الفترات ،حتى ليشبه جوته بمنار ذى وجوه مختلفة ،يدور بطيئاً مع الزمن ،ويرى الناس منه في كل فترة وجهة واحدة جديدة فيعتدون بها .

  هذا ويمثل جوته النزعة الرومانتيكية في مناصرة القلب على العقل ،وقد تراءت هذه النزعة في أدبنا الحديث . هذا إلى تأثيره في النواحى الفنية في المواقف المسرحية التي تراءت في بعض مسرحيات الأستاذ توفيق الحكيم .

 وقد سبق أن شرحنا وجوه هذا التأثير في هذا الكتاب .

 

     الفصل السادس :

  دراسة المصادر

  نأخذ في هذا الفصل عكس الاتجاه الذي تبعناه في الفصل السابق ،فقد كان المؤلف في ذلك الفصل موضع الدراسة بوصفه مركز الإشعاع في التأثير الأدبي ، يدرس هو أولا كي يبحث عن المواطن التي تقبلت بعد قبولاً حسناً أو غير حسن مثل ذلك التأثير ،أما الآن فنبدأ بالكاتب أو بمؤلفاته كلها أو بعضها ،أو بالآداب المتأثرة ، لنبحث عن مدى تأثرها بالكاتب أو بالآداب الأخرى ،وبعبارة أخرى :لنرد ما يستطاع رده من الأفكار والصور الفنية إلى منابعها من الآداب الأجنبية .

  ومن ثمرات التقدم الحديث ـ وبخاصة في الناحية الفكرية ـ أنه قد أصبح زعماً باطلا القول بانطواء أدب ما ـ مهما عظم ـ على نفسه ، وباستغنائه بقرائح ذويه عن استعارة الأفكار والآراء والصور والأجناس الأدبية من الآداب الأخرى، كما أصبح من البديهيات أن الآثار الأدبية ذات الشأن لها أصولها في إنتاج السابقين والمعاصرين ، كما أن لها صداها في حياة الأمم وفى قرائح المفكرين ،وآية ذلك أن أبناء الآداب الكبرى ـ كالفرنسيين مثلا ـ  يبحثون ويمعنون في البحث ، ليكتشفوا الموارد الأجنبية التي تغذى بها أدبهم ، ولا يقتصرون في ذلك على بحثهم في الآداب القديمة اللاتينية واليونانية أو في الآداب الأوروبية الحديثة ، بل يتجاوزون إلى البحث في الآداب الأخرى ، كالآداب الشرقية من هندية وفارسية وعربية .

   والمقصود هنا دراسة نواحى الشخصية للكاتب أوللأدب المتأثر واكتشاف عناصرمقوماته ، وعوامل تكوينه ، فإذا تمت الدراسات لمجموعة كتاب أدب ما على هذا النحو ،ساعد ذلك على فهم أدب وطنى بأجمعه ،ومدى امتداده في الآداب قديمها وحديثها ،قريبة من الوطن أو بعيدة منه .

  وعلينا في هذا الفصل أن نبين معانى المصادر ،ثم طرق البحوث فيها ،مع التمثيل لكل منها بأمثلة من الآداب الشرقية والغربية .

  (1)ويجب أن تفهم المصادر هنا بمعنى أوسع مما أعتيد اطلاقها عليه ،فهى تشمل كل العناصر الأجنبية التي تعاونت على تكوين الكاتب ،وهى ثلاثة أنواع :

  1ـ فمنها ما انطبع في خيال الكاتب نتيجة لما في أسفاره من مناظر طبيعية ، وآثارفنية ، وعادات وتقاليد قومية ،وتلعب الأسفار في ذلك دوراًكبيراً، وتنعكس صورها المختلفة فيما تنتج القرائح من نتاج أدبي تبدو فيه تلك الآثار واضحة   .

  ومن ذلك وصف شعراء العرب البلاد الباردة في إيران ، بعد أن رحلوا إليها وعرفوها عقب الفتح العربي ، ونرى في تلك الأشعار مناظر الثلوج وقد سدت الأبواب وغطت البيوت ، ووصف أمطار الثلوج وكيف يحيا بها المملقون حياة الضنك والبؤس ..ومع وصفهم عادات أهلها وتقاليدهم مابين مادح وقادح .

  ولنا مثل آخر في شاعرنا أحمد شوقى ، بعد سفره لأسبانيا ‘فقد كان لما رأى بها من آثار ولما اطلع عليه فيها من عادات وأخلاق أثر قوى في إنتاجه الأدبي في شعره ونثره ،لانطيل الآن بذكره .

  وفي الآداب الغربية يكفى أن نشير إلى قصص شاتو بريان بعد سفره إلى أمريكا ورؤيته حياة سكانها الفطريين ، وتقاليد الهنود الوطنية ،وإلى مدام دى ستال بعد سفرها إلى ألمانيا ،ومخالطتها لأهلها ،وتعرفها على مفكريها .

   2ـ على أن مصادر الكاتب لا تقتصر على ماأفاد في أسفاره ،بل قد ترجع كذلك إلى مخالطته  للبيئات والنوادى التي تهتم بالثقافات الأدبية العالمية في أرجاء وطنه نفسه ، ونجد مثلا لذلك في الكاتب الفرنسي : موريس ماجر المتوفى عام 1942،فقد كان لاختلاطه بنادى مدام آنى بيزانت أكبر تأثير في توجيهه وجهة الثقافة الهندية وتشبعه بها ودفاعه عنها ،إذ كان ذلك النادى مركزاً هاماً لتلك الدعاية ،ومن أكبر من كانوا يغشونه الداعية الهندى بلافاتسكى .

  وقد تأثر به الكاتب الفرنسى ، فاعتنق آراءه الدينية من مذهب التناسخ وما تبعه من الرفق بالمخلوقات كلها من إنسان وحيوان ، وكانت هذه الآراء الفلسفية محور تفكيره الدينى والاجتماعى ، كما يتضح ذلك بالإ طلاع على مؤلفاته النظرية ودواوينه الشعرية وقصصه ، ومنها القصة التاريخية التي تدور حوادثها فى الإسكندرية فى أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الميلاديين ، وعنوانها : قصة الفتاة برسيلا  ومثل آخر فى أبى المعالى نصر الله الذى شجعته النوادى الأدبية فى إيران على ترجمة كليلة ودمنة من العربية إلى الفارسية مع صبغها بالطابع الفنى  العربى.

  ويلحق بهذا النوع من المصادر تأثير الأصدقاء من الأجانب فى الكاتب إما بالمراسلة وإما بالمحادثة الشفوية ، وتحديد هذا النوع من التأثير صعب المنال من الناحية العلمية ، ولكن الإشاره إليه أو الإلمام به مما يحدد نواحى شخصية الكاتب ويساعد على تعرف تكوينه الأدبى والفنى على وجه ما ، وقد ضرب بعض الكتاب مثلا لذلك بالشاعر : لا مارتين وتأثيره بالفيلسوف إكستين عميد الدعوة إلى الثقافة الهندية فى عصره .  

  3ـ والنوع الأخير من المصادر هو المصادر المكتوبة ، وهى ماينصرف إليه المعنى بصفة عامة حين يطلق اسم المصادر ، وهى أسهل أقسام المصادر دراسة وأيسرها تحديداً إذ مظنة البرهنة عليها الكتابة ، وحجتها ـ متى وجدت ـ لا تدفع  وننتقل الآن إلى بيان طرق البحوث فيها .

(ب) وتعدد أنواع البحوث فى المصادر على حسب موضوعاتها .

(1) فقد يقصد إلى البحث عن مصادر مؤلف واحد من مؤلفات كاتب ما .

 وفى هذه الحالة ربما يكون الكاتب قد استعار من أدب آخر موضوع الكتاب ، أو بعض المواقف الخاصة فيه ، أو الأفكار والتعبيرات أما عن الموضوع فيغلب أن يستعار فى باب القصص وفى المسرحيات ، وقد استعار الأدب الفرنسى الكلاسيكى أكثر موضوعاته المسرحية والقصصية إما من  الآداب القديمة اللاتينية واليونانية ، وأما من الأدب الأسبانى ، ومع ذلك قد صبغها الآدباء الفرنسيون بصبغتهم وظهر بها طابعهم الخاص ، وقد سبق أن بينا كيف أفاد كبار كتابنا ـ مثل الأستاذ الدكتور طه حسين ، والأستاذ توفيق الحكيم من آداب الغرب قصصه ومسرحياته ، وظهرت أصالتهم إلى جانب تأثرهم ، بل ظهرت تلك الأصالة بفضل تأثرهم .

 2ـ وقد لا تقتصر دراسة المصادر على البحث عن مصدر الموضوع والتعبيرات فى إنتاج الكاتب ، بل يبحث فى مصادر إنتاجه كله من الآداب الأخرى ، وفي هذه الحالة قد يقتصر البحث على بيان مصادر ذلك الإنتاج في أدب أجنبي واحد ،بل قد لا يتعدى مجرد إحصاء وسرد لما قرأ المؤلف من ذلك الأدب ،وهذا النوع من الإحصاء الدقيق كثير الرواج في ألمانيا ،وله أهمية كبرى في تنوير النقاد حيال الكاتب أو الشاعر ، فهو يبين الجو الفكري الذي عاش فيه الكاتب ، وكيف اتسع أفقه قليلا قليلا ‘ أو كيف أنه على عكس ذلك قد انطوى على نفسه ، وكيف تركز اهتمامه حول تلك المسائل ،أو حول بعض الأجناس الأدبية ،وكيف كان يتطور تبعاً لقراءته.

  3ـ فإذا تجاوزت الدراسة الإحصاء إلى شئ من التفصيل يبين فيه تأثير كل مصدر من مصادر الكاتب في مؤلفاته ، ففي هذه الحالة قد يقتصر على دراسة تأثر الكاتب بأدب واحد من الآداب الأجنبية ، فمثلا يمكن أن تدرس تأثر شوقى بالأدب الفرنسى في مؤلفاته ، كما درس تأثر فولتير بالأدب الإنجليزى ،وعلى الباحث في هذه الحالة أن يدرس أولا المؤلف نفسه دراسة دقيقة ، ثم يقرأ من الأدب الأجنبي ما يمكن أن يكون قد أثر في إنتاج ذلك المؤلف ، ويبدأ بقراءة ما اعترف المؤلف بقراءته من ذلك الأدب ‘ ثم بالموضوعات المشابهة للموضوعات التي عالجها المؤلف ، وربما يسفر كل ذلك عن آفاق جديدة أمام الباحث تنير له السبيل ،وقد تجعله يعثر على ماله قيمة جديدة في تعريف نواحى الكاتب وتأثره بالأدب الأجنبي الذي امتاح منه .

  وأوسع دراسات المصادر وأكثرها أهمية هو مايبحث فيه عن مصادر الكاتب في الآداب المختلفة ، وعن مبلغ ما استفاد منها في مؤلف واحد من مؤلفاته ،أو في مؤلفاته كلها ، ويتطلب هذا النوع من الدراسات ثقافة واسعة مترامية الأطراف وصبراًكثيراًواطلاعاًواسعاً ،وهذه الدراسات خير ما يلقى الضوء على مواهب الكاتب ، وعلى نواحى نشاطه المختلفة .

  وقد قام فرديناند بالدنسبرجية بمثل طيب في ذلك حين درس المصادر المختلفة للكاتب الفرنسي بلزاك وبين في دقة وتعمق كيف استفاد بلزاك من مختلف الآداب التي أتيح له أن يطلع عليها في فترات متعاقبة من حياته ‘وكيف لم يطغ ذلك على الطابع الشخصى للكاتب وعلى دقة ملاحظته ، وكذا قام الباحث سبتولو بمثل هذه الدراسة باحثاً عن مصادر ألفريدى دى فينى .

  4ـ والنوع الأخيرمن دراسات المصادر هو مايكون موضوعه أدب شعب ما ، وبيان وجوه تأثره بأدب آخر أو بالآداب الأخرى مجتمعة . كما فعل الباحثان توكر وماجنوس في شرح علاقات الأدب الإنجليزى بالآداب الأخرى . وكما فعل دوبوى في بحثه علاقات الأدب الفرنسي بالأدب الألمانى ،ومثل هذه الدراسات قد تفقد شيئاًمن الضبط والتحديد والدقة لسعة أطراف البحث فيها ، ولحاجتها إلى اطلاع وإلى ثقافة قد يعبأ بهما مجهود باحث بمفرده ، ولكنها ـ حتى في رسم الخطوط الكبيرة للتأثير بوجه عام ـ ذات أهمية كبيرة للباحثين ودارسى الآداب .

  هذا إلى أن جانب الآداب المختلفة لا تتعرض للتأثر بآداب أجنبية بنسبة واحدة في كل العصور ،فقد يبقى الأدب القومى لدولة ما مقطوع الصلة بغيره في عصرما ، ثم يجدد صلاته بالآداب المختلفة على حسب أحوال العصر لكل دولة ، وتبعاً لنشاط رجالها الفكري والسياسي ، فقد ظل الأدب الفرنسي يستمد من الآداب القديمة اللاتينية واليونانية ،ومع ذلك طغى عليه في القرن السادس عشر تأثير الأدب الإيطالى . حتى غلب على كل تأثير سواه ،وقد اتسم القرن السابع عشر في فرنسا بغلبه تأثير الأدب الأسبانى عليه . ولما جاء القرن الثامن عشر اتجه أدباؤه وجهة الأدب الإنجليزى أولا ، ثم وجهة الأدب الألمانى في النصف الثانى من ذلك القرن وفي أوائل القرن التاسع عشر ‘أما في أواخره فقد ظهر تأثير الأدب الروسى والأدب الأمريكى وبخاصة في مؤلفى القصص والمسارح .

 

 

 

     الفصل السابع :

  تصوير الآداب القومية للبلاد والشعوب الأخرى

  هذا أحدث ميدان من ميادين البحث في الأدب المقارن ، ولكنه ـ مع حداثة نشأته ـ غنى بالبحوث التي تبشر بأنه سيكون من أوسع ميادين الأدب المقارن وأكثرها رواجاً في المستقبل . ذلك لأنه أيسرها منهجاً، وأوضحها معالم ، وأقربها في الوصول إلى غاية البحث .فلا غرابة بعد هذا إذا كثرت فيه بحوث المبتدئين أول عهدهم بالبحوث فى الأدب المقارن .

  ومعلوم أن الأدب سجل مشاعر الأمة وآرائها . ومن هذه الآراء مايتعلق بصلات هذه الأمة ، وبالصور التى تكونها لنفسها عما سواها من الأمم بناء على هذه الصلات . ويهتم الباحث فى هذا الباب بابراز هذه الصور كاملة كما تنعكس فى مرآة الأدب القومى لأمة من الأمم . وقد سبق أن بينا أن الباحث قد يقصد إلى شرح صورة شعب ما كما هى فى مؤلفات كاتب واحد من كتاب بلد ما ، ومثال ذلك صورة مصر كما يراها جيراردى دى نرفال أو كما صورها فكتور هوجو من الكتاب الفرنسيين . وقد يقصد إلى بيان نفس الصورة ولكن فى أدب بأكمله .ومثال ذلك صورة مصر فى الأدب الفرنسى أو الأدب الانجليزى ونوجز القول فى بيان منهج البحث العام فى هذا الفرع .

 1ـ يبدأ الباحث ببيان الطريقة التى تكونت بها أفكار أمة ما فى أدبها عن الشعب الذى يقصد إلى وصف صورته فى ذلك الأدب . وللمهاجرين والرحالة من الكتاب فضل كبيرفي تكوين هذه الأفكار .فهم الذين ينقلون إلى أممهم ويصفون فى أدبهم صور ماشهدوا فى البلاد الأخرى . وهم الذين يؤولون هذه المشاهد ويشرحونها بما يتفق وميولهم . وبما يتمشى مع غايتهم . وكما تمليه عليهم أحوالهم النفسية والاجتماعية التى سافروا أو هاجروا فيها .

  فقد هاجرت "مدام دى ستال " إلى ألمانيا ضائقة ذرعاً بما تعانيه فرنسا من طغيان نابليون . ومن تحكمه في حرية الأفكار فيها . فكانت تنشد في هجرتها بلداً تتمتع فيه بتلك الحرية التي حرمتها في فرنسا . فجاءت آرائها في كتابتها مشوبة بنوع من المثالية التي تحلم بها أضفتها هي على كل مارأت وما شرحت . وقد أثرت بإدراكها هذا في جيل من الكتاب والرحالة الفرنسيين فظلت ألمانيا في إنتاجهم بلد الحرية الفنية في المسرحيات والشعر ، كما ظلت بلد الحياة المرحة الطليقة التي يتمتع أهلها بملذات الحياة في كنف حرية رحبة الآفاق . وبالرغم من أن الصورة التي رسمتها مدام دى ستال لألمانيا كانت غيردقيقة ومبالغاً فيها ،فقد ظلت ذات أثر بالغ في معاصريها ومن جاء بعدهم من أدباء النصف الأول من القرن التاسع عشر .

  2ـ وعلى الباحث في هذا الباب أن يتعرض لتحديد ما رآه الرحالة من البلاد الأخرى . فلم ترى "مدام دى ستال "مثلا ، من ألمانيا غير رجال الأدب من المجتمعات الأرستقراطية في مقاطعة "ساكس" وغير رجال السياسة وبعض الفلاسفة في برلين . وبمخالطتها لهؤلاء تحددت نظراتها الفاصلة في تصويرها لألمانيا .

  وكذلك لم يرى شوقى من أسبانيا إلا بعض المدن التي زارها  زيارة عابرة ،ولم يهتم إلا بالحديث عن أسبانيا المسلمة وآثارها ،وقد عاش بثقافته وميوله في الماضى الذي تحدث عنه ،دون أن يعنى بتصوير البلاد وحاضر أهلها .

  وعلى الباحث أن يرينا كيف رأى هؤلاء الرحالة البلد الذي رحلوا إليه، وهنا يتعرض لشرح آرائهم فيه وتحليلها . ولكن دراسته من هذه الناحية ليست إلا وسيلة لتقويم صورة البلد الأدبية التي ارتسمت بفضل هؤلاء الرحالة في أدبهم القومى .

  3ـ ثم ينتقل بعد ذلك إلى دراسة صدى آراء الرحالة من الكتاب لدى أبناء أمتهم ممن تحدثوا عن نفس البلد أو أرادوا وصفه . وتقديم نماذج بشرية لأهله ،أيا كان الجنس الأدبي الذي تحدثوا فيه عن ذلك من مسرحية أو قصة أو رسائل ... وترتسم من كل ذلك أجزاء الصورة الأدبية للبلاد والشعوب الأجنبية . وقد تكون هذه الصورة مستوفية الأجزاء ، فيما إذا تحدث الكاتب عن المظاهر المختلفة للبلد الآخر ،من مناظر طبيعية ،وعادات وتقاليد ،زمن طبائع ونظم ...ويغلب هذا على أدب الكتاب والرحالة من القرن التاسع عشر . وقد تكون الصورة التي رسمها كتاب بلد ما للبلد الآخر ناقصة مبتورة ،كما هو الحال عند كتاب العرب ورحالتها الذين لم يروا من أسبانيا إلا جانبها الإسلامي ،وظلوا يبكون فيها الفردوس المفقود الذي نفى عنه أجدادهم .

  ولكن الصورة الأدبية التي تتكون على هذا النحو . على أية حال من أحوالها . قلما تكون صادقة أمينة في تعبيرها عن طبيعة البلد ونفسية ساكنيه. بل كثيراًما تختلط الحقائق فيها بمزاعم لا أصل لها ، أو بتأويلات مبالغ فيها ،فتخرج بذلك عن حدود الواقع ، وتصير في جملتها من خلق الآداب المختلفة.

  ومن الواضح أن العوامل النفسية والاجتماعية تتضافر لخلق العناصر الهامة والأفكار العامة التي تلعب دورها في تكوين عقيدة شعب في شعب آخر . فتصبغها بصبغتها حتى تتكون ، ثم تساعد على رواجها لدى ذلك الشعب . وقد تتغير تبعاً لتلك العوامل الصور الأدبية للشعوب إلى ما هو خير من الصور السابقة أو إلى ما هو شر منها .

  وعلى الرغم من أن نقطة البدء في هذا الباب لا تمت بصلة كبيرة إلى الأدب ، إذ أن شرح صورة بلد ما في ذاتها لا تفيد التاريخ الأدبي ، ولا تكشف عن الصلات العقلية بين الكتاب ،على الرغم من ذلك ، ليس القصد هنا ـ كما يتضح من شرحنا السابق ـ هو بيان هذه الصورة الأدبية في ذاتها ولكن شرح الأفكار العامة التي تضافرت على تكوين هذه الصورة في أدب ما :يستلزم هذا الشرح بيان الطريقة التي تكونت بها ويستلزم كذلك الكشف عن تأثير البلاد الأجنبية في الكتاب بمناظرها وعاداتها وآثارها ، ثم بثقافتها المتعددة الألوان ، مما يربط بين الآداب المختلفة ، ويكشف ،عن أصالة الكتاب في مصادرهم . فحين عرفت مدام دى ستال الفرنسيين بألمانيا ، عرفتها لهم بأنها موطن جوته وشلير وشيلجل .. فكان لهؤلاء الكتاب على أثر ذلك شهرة واسعة لدى كتاب فرنسا وشعبها . وبهذا يؤدى البحث في هذا الباب إلى الكشف عن كثير من المصادر الأدبية بالمعنى الواسع لهذه المصادر كما سبق أن شرحناها ،كما يؤدى ذلك إلى بيان الطرق التي مهدت للتأثير والتأثر بين الأدبين ،هذا إلى الخدمات التى يؤديها لتاريخ الأدب ببيان تطور الأفكار العامة فيما يخص البلاد الأخرى على حسب عصور الأدب المختلفة ،مع الكشف عن العوامل التي ساعدت على هذا التطور .

  ولا بد للباحث في هذا الباب ـ مع شرحه للصور التي كونها شعب ما في أدبه عن بلد أو بلاد أخرى ـ أن ينقد هذه الصور ـ ويبين ما فيها من صواب وخطأ، ويشرح أسباب الخطأ فيها ،ويدعو إلى وضع البلدأو الشعب موضعها الصحيح من أفكار الأمة وأدبها .

  ولا يخفى أن للصور الأدبية للشعوب ـ كما تنعكس في مرآة أدبها ـ تأثيراً عميقاً في علاقاتها بعضها ببعض ،أيا كان نوع تلك العلاقات ،ولها كذلك تأثيرعلى عقول قادة الأمة من الساسة والمفكرين في تكوين رأى عام قد ينتج عنه اتجاه خاص في علاقاتها مع غيرها . وكل هذا من نواحى النشاط الأدبي في الميادين الدولية . ويهتم الأدب المقارن بالكشف عن هذه النواحى من الوجهة التاريخية ،وبيان مظاهرها المختلفة على مر الأجيال . وبهذا يمهد الأدب المقارن لكل أمة أن تعرف مكانتها لدى غيرها من الأمم ،وأن ترى صورتها في مرآة غيرها من آداب الشعوب ويتاح بذلك لها أن تعرف نفسها حق المعرفة ،وأن تحاول تصحيح وضعها أو الدفاع عن نفسها . وبذلك تتهيأ الفرصة للتفاهم الحق والتعاون الصادق بين الشعوب .  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

23 juillet 2021

الأدب المقارَن- دلالة المصطلح: ورد في(معجم

images 3

 

الأدب المقارَن- دلالة المصطلح:

     

ورد في(معجم مصطلحات العربية في اللغة والأدب):

"الأدب المقارَن(Comparative Literature):

(1) المقارنة بين آداب أو أدباء مجموعة لغوية واحدة، أو مجموعات لغوية مختلفة.

(2) دراسة التأثيرات الأدبية التي تتعدى الحدود اللغوية والجنسية والسياسية. مثال ذلك: دراسة الرومانتيكية في آداب مختلفة. أما الأدب المقارَن بوصفه فنا من فنون دراسة الأدب فيمكن اعتباره مختصا بصفة عامة بتاريخ العلاقات الأدبية الدولية بالنسبة إلى تبادل الموضوعات والأفكار والكتب بين أدبين أو أكثر، فيهتم إذن عالم الأدب المقارَن بالموضوعات الأدبية المشتركة بين أدبين أو أكثر بالنسبة للآثار الأدبية والأدباء أنفسهم. ويتأتى ذلك عن طريق متابعة التطورات المختلفة التي مرت بها الأجناس الأدبية المتنوعة من رواية ومسرحية وشعر غنائي مثلا في أكثر من بيئة مع فحص العلائق القائمة بين من يقومون بأداء هذه الفنون في شتى البيئات، ومع مراعاة الفروق التي تقوم بينهم والمذاهب المتباينة التي تؤثر فيهم بالطريقة الإيجابية أو السلبية. وتشمل هذه الدراسة متابعة أساطير أو موضوعات معينة عبر العصور وفي بيئات مختلفة. وهذه الدراسة هي ما أسماه العلماء الألمان بتاريخ الموضوعات[...] ومثال ذلك دراسة أسطورة(فاوست) أو(أوزيريس) أو(قصة شهرزاد) في آداب مختلفة.

      ويتعرض الأدب المقارن أيضا لدراسة الشهرة الأدبية لأحد كبار الأدباء في بيئة غير بيئته، وتأثير الآداب بعضها في بعض عن طريق حركة الترجمة، وتفاعل الأدباء مع المذاهب الأدبية المختلفة التي لا يمكن اعتبارها وليدة مجتمع واحد بالذات وذلك كالنزعة الواقعية أو الرومانتيكية أو غيرهما.

      والأدب المقارن في رأي پول فان تيجم[...] هو ذلك الفرع من الأدب الذي يعنى بدراسة تأثير أدب في آخر أو تأثره به، فهو يتناول النتائج التي انتهت إليها تواريخ الآداب القومية فيكملها وينسقها ويضم بعضها إلى بعض في تاريخ أدبي أعمّ"([1]).

      وورد في(قاموس مصطلحات النقد الأدبي المعاصر):

الأدب المقارن(Comparative Literature):"مجال دراسي يهتم بموضوع المؤثرات الأدبية على أدب آخر، أو دراسة تأثره به، ويدرس كذلك هذا المجال تاريخ الآداب القومية، فيكمل[نتائجها وينسقها ويضم بعضها إلى بعض في] إطار تاريخي عام"([2]).

      وورد في(معجم مصطلحات الأدب):

الأدب المقارن(Comparative Literature):"فرع من فروع الدراسة الأدبية، عُرف قبل بدايات القرن التاسع عشر، ويعنى بالبحث عن الأفكار والعلاقات المتداخلة بين الآداب الإنسانية وتحليلها والوقوف على وجوه الالتقاء والاختلاف بينها. وقد تطور مفهوم الأدب المقارن، وتبلورت ملامحه في أحضان مدرستين مدرسة أدبية فرنسية نشطت أفكارها في أواخر القرن التاسع عشر. وتركزت على المنهج التاريخي في تحليل العلاقات الأدبية بين الأمم والشعوب، ومدرسة أمريكية حديثة العهد تنحو منحًى نقديا يعنى بتقديم عنصر(الأدب) على عنصر(التاريخ) ويحصر مجال الدراسة في تحديد أوجه الشبه والاختلاف بين النصوص الأدبية، دون أن تعنى بمسألة التأثير والتأثر بين الآداب المختلفة"([3]).

 



([1]) معجم مصطلحات العربية في اللغة والأدب، كامل المهندس ومجدي وهبة، مكتبة لبنان، ط2، ؟؟؟؟: 21.

([2]) قاموس مصطلحات النقد الأدبي المعاصر(عربي ـ انجليزي ـ فرنسي)، د.سمير سعيد حجازي، دار الآفاق العربية، ط1، 2001م:78، والزيادة من:(معجم مصطلحات العربية في اللغة والأدب) لسد النقص.

([3]) معجم مصطلحات الأدب، مجمع اللغة العربية، دار الجمهورية، القاهرة، 2007م: 1/8-9.

 

 

17 juillet 2021

اﻷدب اﻟﻤﻘﺎرن ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ واﻟﻤﺪرﺳﺔ

 

images 10

اﻷدب اﻟﻤﻘﺎرن ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ واﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ

د/ أﺣﻤﺪ دﻳﺎب - ﺗﺮﻛﻴﺎ

 

ﻣﻠﺨﺺ اﻟﺒﺤﺚ:

ﺳﻴﻘﻮم ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﺑﻌﺮض آراء أﺑﺮز ﳑﺜﻠﻲ اﻷدب اﳌﻘﺎرن، اﻵراء اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ واﻵراء اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ،

ﻓﺄوﺿﺢ ﻛﻴﻒ ﻓﻬﻢ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن اﻷدب اﳌﻘﺎرن، وﻣﺎ ﻫﻮ اﻷﺳﺎس اﻟﺬي ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ دراﺳﺎ ﻢ واﻟﺸﺮوط اﻟﱵ ﺣﺪدوﻫﺎ ﳍﺬا اﳌﻮﺿﻮع، ﰒ أذﻛﺮ أﺑﺮز اﳌﻘﺎرﻧﲔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﲔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﳍﻢ آراء ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ

وﳐﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ اﳌﻔﻬﻮم اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ وأ ﻲ اﳌﻔﻬﻮن اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺑﺄﺑﺮز اﻹﳚﺎﺑﻴﺎت واﻟﺴﻠﺒﻴﺎت. ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻧﺘﻘﻞ إﱃ اﳌﻔﻬﻮم اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ، ﻓﺄوﺿﺢ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮ ﻢ ﳍﺬا اﳌﻮﺿﻮع وﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﻗﻔﻬﻢ ﻣﻦ اﻻﲡﺎﻩ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي، وﻣﺎ ﻫﻲ اﻹﺿﺎﻓﺎت اﻟﱵ اﻗﱰﺣﻮﻫﺎ ﻹﻏﻨﺎء ﻫﺬا اﳌﺼﻄﻠﺢ ﺑﺪﻻﻻت

ﺟﺪﻳﺪة.

The comparative Literature between the French school and the American school

 

Summary of the research:

This research Will Show the Most important representatives of the comparative Literature by comparing the thoughts of the french school and the american school. In this research I Will illustrate how the french describe the comparative Literature and I Will focus on the understanding of the french related to the comparative Literature and the basic principles which are based on this school. I object to Show the positive and negative sides in their traditional understanding.

After that I Will examine the american school in the same way by showing the main features and principles of this school.ı

In this was we can see the similarities and the differences between these two schools

 

 

 

 

 

 

 

 

26

 

ﻣﻘﺪﻣﺔ: ﻣﺎزال ﻣﺼﻄﻠﺢ اﻷدب اﳌﻘﺎرن إﱃ اﻟﻴﻮم ﻣﻮﺿﻊ ﺟﺪال ﺑﲔ اﻟﻨﻘﺎد واﻷدﺑﺎء، ﻓﻬﺬا اﳌﺼﻄﻠﺢ ﻣﻨﺬ

ﻧﺸﺄﺗﻪ ﺗﻌﺮض ﻟﻜﺜﲑ ﻣﻦ اﳉﺪال ﺣﻮل اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ. إن اﳌﺸﺘﻐﻠﲔ اﻷواﺋﻞ أﻃﻠﻘﻮا ﻫﺬا اﳌﺼﻠﺢ وﻛﺎن ﻳﺪور ﰲ ﺧﻠﺪﻫﻢ ﺗﺴﻤﻴﺎت رﲟﺎ ﺗﻜﻮن أﻗﺮب إﱃ اﻟﺼﺤﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻌﻤﻠﻬﻢ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻪ، وﻗﺪ ﻧﻌﺘﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺣﺴﺎم اﳋﻄﻴﺐ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺼﻄﻠﺢ

ﺧﻼﰲ ﺿﻌﻴﻒ اﻟﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﳌﻘﺼﻮد ﻣﻨﻪ 1، ﺣﱴ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﳍﻢ ﻓﻀﻞ ﰲ اﻧﺘﺸﺎر ﻫﺬا

اﳌﺼﻄﻠﺢ أﻗﺮوا ﰲ ﻛﺘﺒﻬﻢ اﻟﱵ ﲪﻠﺖ اﳌﺼﻄﻠﺢ ذاﺗﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ اﻟﺼﻮاب، ﻓﻘﺪ ﺟﺎء ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ﺑﻮل ﻓﺎن ﺗﻴﺠﻢ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﲪﻞ ﻋﻨﻮان اﻷدب اﳌﻘﺎرن " وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﻓﺮط اﻟﺬﻳﻮع وﺳﻌﺔ اﻻﻧﺘﺸﺎر ﰲ أﻳﺎﻣﻨﺎ ﻣﺎ ﳚﻌﻞ ﻣﻦ اﳌﺴﺘﺤﻴﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻨﺰع ﻋﻨﻪ ﻫﺬا اﻻﺳﻢ ﻟﻨﺤﻞ ﳏﻠﻪ اﲰﺎً آﺧﺮ أدﱏ

إﱃ اﻟﺼﻮاب .2"

آﺛﺮ ﻓﺮاﻧﺴﻮا ﻏﻮﻳﺎر أن ﻳﺴﻤﻲ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﺗﺴﻤﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ذات دﻻﻟﺔ أدق ﻫﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ3، واﻗﱰح اﻟﺪﻛﺘﻮر ﳏﻤﺪ ﻏﻨﻴﻤﻲ ﻫﻼل ﺗﺴﻤﻴﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﳌﻘﺎرن ﻟﻶداب أو ﺗﺎرﻳﺦ

اﻵداب اﳌﻘﺎرن.4 وﻧﻈﺮاً ﻟﻔﺮط إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﻫﺬا اﳌﺼﻄﻠﺢ ﻓﻘﺪ أﻟﻔﺖ ﻛﺘﺐ ﲪﻠﺖ ﻋﻨﻮان "ﻣﺎ اﻷدب اﳌﻘﺎرن"، وأﻟﻘﻴﺖ ﳏﺎﺿﺮات ﺑﻌﻨﻮان "أزﻣﺔ اﻷدب اﳌﻘﺎرن"، وﺗﻜﻠﻢ اﻟﻨﻘﺎد ﺣﻮل ﻣﻌﻀﻼت اﻷدب اﳌﻘﺎرن. وﺣﱴ ﺗﺘﺒﺪى ﻟﻨﺎ ﻫﺬﻩ اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺎت واﳌﻌﻀﻼت ﺳﺄﺣﺎول ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ أن أﻛﺸﻒ آراء ﻣﻦ ﻛﺎن ﻟﻪ ﺟﻬﺪ ﰲ

ﻫﺬا اﳊﻘﻞ. وﺗﺄﰐ أﳘﻴﺔ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﻳﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﲔ أدﺑﲔ ﳐﺘﻠﻔﲔ، أو ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻠﻘﻲ اﻟﻨﻘﺪي ﻟﻸﻋﻤﺎل اﻷدﺑﻴﺔ، وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻳﻘﻮم ﺑﺈﺑﺮاز ﲨﺎﻟﻴﺎت اﻟﺘﻠﻘﻲ ﻟﺪى اﻟﻘﺮاء، وﻻ ﺗﺴﻠﻢ اﻷﺳﻄﻮرة ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﰲ ﻫﺬا ا ﺎل، ﻓﻨﺮاﻩ ﻳﺒﺤﺚ اﻷﺳﻄﻮرة وﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﰲ اﻷﻋﻤﺎل اﻷدﺑﻴﺔ، وأﺣﻴﺎﻧﺎً ﳒﺪ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻳﻮﺳﻊ ﳎﺎﻟﻪ ﻟﻴﺸﻤﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷدﰊ، ﻓﻴﺒﺤﺚ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷدﰊ واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻳﺒﺤﺚ اﻷدب ﻛﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﻣﺘﻌﺪدة اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت واﻟﺘﻌﺎرﺿﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﱵ ﺗﻮاﺟﻬﻪ، وﳒﺪﻩ ﻳﻀﻴﻖ ﳎﺎﻟﻪ ﻟﻴﺒﺤﺚ اﻷدب اﻷوﱄ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻷدب اﻟﺜﺎﻧﻮي، أو اﻷدب اﻟﻌﺎﱄ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻷدب اﻟﻮﺿﻴﻊ، وﻧﺮاﻩ أﺣﻴﺎﻧﺎً ﳜﺼﺺ ﻓﻨﺮاﻩ ﻳﻄﺒﻖ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻪ وﺗﻄﺒﻴﻘﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻷدب اﻟﻌﺎﳌﻲ واﻟﻮﻃﲏ أو اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ أو ﻳﺘﺠﻪ إﱃ اﻵداب اﻟﺸﻔﻬﻴﺔ أو اﻵداب اﳌﻜﺘﻮﺑﺔ. وﺗﺒﻘﻰ اﻷﳘﻴﺔ اﻟﻜﱪى ﳍﺬا اﳌﺼﻄﻠﺢ ﺑﺪراﺳﺎت أﻋﻤﺎل اﻟﱰﲨﺔ، وﻛﻠﻨﺎ ﻳﻌﺮف ﻣﺎ ﳍﺬا ا ﺎل ﻣﻦ ﲢﺪﻳﺎت ﺗﻮاﺟﻪ اﳌﺸﺘﻐﻠﲔ ﰲ ﺣﻘﻞ اﻟﱰﲨﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﻟﻠﻐﺎت وﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ. واﻟﻐﺮﻳﺐ أن اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﳛﺎول أن ﳜﺮج ﻣﻦ داﺋﺮﺗﻪ اﻷدﺑﻴﺔ إﱃ

27

 

اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻷوﺳﻊ، ﻓﻴﺪرس اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷدﰊ وﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻦ ﻣﻦ وﺟﻬﺔ اﻟﺘﻠﻘﻲ واﻟﺘﺄﺛﲑ، وﻣﻦ ﻫﻨﺎ أﺻﺒﺤﻨﺎ ﳒﺪ ﻣﻘﺎرﻧﺎت ﺑﲔ اﳌﻮﺳﻴﻘﺎ واﻷدب أو ﺑﲔ اﻟﺮﺳﻢ واﻷدب، وﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻘﻮل إن اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﺣﺎول أن ﳚﻤﻊ ﺣﻮﻟﻪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ إﻧﺴﺎﱐ ﳑﺰوﺟﺎً ﺑﻠﻤﺴﺎت ﻓﻨﻴﺔ أو أدﺑﻴﺔ، وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻫﺬا اﳌﺼﻄﻠﺢ ﻣﻮﺿﻊ ﺧﻼف ﺑﲔ اﻟﻨﻘﺎد واﻷدﺑﺎء ﻓﻘﺪ ﺣﺎول ﻛﻞ ﻓﺮﻳﻖ أن ﻳﺸﺪ ﻣﻔﻬﻮم اﻷدب

اﳌﻘﺎرن إﱃ ﻃﺮﻓﻪ، وﻟﺬﻟﻚ ﺟﺎء ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﻟﻴﺰﻳﻞ ﻫﺬﻩ اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ وﳛﻞ ﻫﺬﻩ اﳌﻌﻀﻠﺔ.

/1 اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ أو اﻟﻤﻔﻬﻮم اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ: إن اﳌﺘﺘﺒﻊ ﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﺳﻴﻼﺣﻆ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ أن اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﲔ ﻛﺎن ﳍﻢ دور ﺑﺎرز وﻣﺮﻛﺰي ﰲ ﻫﺬا ا ﺎل. اﻟﺮواد ﰲ ﻫﺬﻩ اﳌﺪرﺳﺔ أﻣﺜﺎل وﻳﻠﻤﺎن وﺟﻮن ﺟﺎك آﻣﱪ ﺑﻴﻨﻮا ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪداﻳﺔ ﻣﻔﻬﻮم ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ وﻣﺒﺎدﺋﻪ واﻷﺳﺎس اﻟﺬي ﺳﻴﺴﲑون ﻋﻠﻴﻪ ﰲ اﺷﺘﻐﺎﳍﻢ ﺬا اﻟﻌﻠﻢ. ﻓﻮﻳﻠﻤﺎن أﻟﻘﻰ ﳏﺎﺿﺮة ﰲ اﻟﺴﺮﺑﻮن ﻋﺎم 1828 ﺑﲔ اﻟﺘﺄﺛﲑ اﳌﺘﺒﺎدل ﺑﲔ ﻓﺮﻧﺴﺎ وإﻧﻜﻠﱰا وأﻳﻀﺎً ﺗﺄﺛﲑ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﰲ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أوﺿﺢ آﻣﱪ وﺑﻜﻞ ﺻﺮاﺣﺔ ﻣﻔﻬﻮم ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ﺣﲔ ﻗﺎل: "أﻳﻬﺎ اﻟﺴﺎدة ﺳﻨﻘﻮم ﺬﻩ اﻟﺪراﺳﺔ اﳌﻘﺎرﻧﺔ اﻟﱵ ﺑﺪو ﺎ ﻻﻳﻜﺘﻤﻞ ﺗﺎرﻳﺦ اﻷدب، وإذا وﺟﺪﻧﺎ ﺑﻌﺪ اﳌﻘﺎرﻧﺎت اﻟﱵ ﻧﻘﻴﻤﻬﺎ أن أدﺑﺎً ﻳﺘﻔﻮق ﻋﻠﻰ أدﺑﻨﺎ ﺑﻨﻘﺎط ﻋﺪة ﻓﺈﻧﻨﺎ ﺳﻨﻌﱰف ﺑﺬﻟﻚ وﻧﻌﻠﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﻮق اﻟﻌﺎدل، ﻓﻨﺤﻦ أﻏﻨﻴﺎء ﺟﺪاً ﺑﺎ ﺪ ﻟﻜﻲ ﻳﺴﺘﻬﻮﻳﻨﺎ ﳎﺪ أي ﺷﺨﺺ. وﻓﺨﻮرون ﺟﺪاً ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ أن ﻧﻜﻮك ﻣﻨﺼﻔﲔ.5" وﻋﻘﺪ ﺟﺎن ﻣﺎري ﻛﺎرﻳﻪ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻜﺘﺎب ﻓﺮاﻧﺴﻮا ﻏﻮﻳﺎر ﺑﲔ ﻣﻔﻬﻮم اﳌﺼﻄﻠﺢ ﻓﻘﺎل: " إن اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻓﺮع ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷدﰊ ﻷﻧﻪ دراﺳﺔ اﻟﻌﻼﺋﻖ اﻟﺮوﺣﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ واﻟﺼﻼت اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ اﻟﱵ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﲔ ﺑﲑون

وﺑﻮﺷﻜﲔ.6" إذن ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﳛﺪد اﻟﺮواد ﻣﻔﻬﻮم اﳌﺼﻄﻠﺢ وﻫﻮ ﻓﺮع ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷدﰊ، ﻟﻜﻦ ﻣﺎﻫﻲ اﳌﺒﺎدئ واﻷﺳﺲ اﻟﱵ ﺑﻨﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻔﻬﻮﻣﻬﻢ ﳍﺬا اﻟﻌﻠﻢ؟ ﻣﻌﻈﻢ ﻛﺘﺐ اﻟﺮواد اﻟﱵ أﻟﻔﺖ ﰲ ﻫﺬا ا ﺎل ﲢﺪﺛﺖ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ اﻷﺳﺲ، ﻓﻤﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ آﻣﺒﲑ و وﻳﻠﻤﺎن وﻛﺎرﻳﻪ وﻏﻴﺎر، ﻟﻜﻦ ﺳﺄﺑﺪأ ﻋﻨﺪ ﺗﻴﺠﻢ ﻳﻘﻮل ﰲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﺟﻬﺪ اﻟﺒﺎﺣﺚ اﳌﻘﺎرن وﻋﻦ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﺄﺛﺮ " ﻓﻤﻦ اﻟﻨﺎدر ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ أن ﻳﻜﻮن أﺛﺮ ﻣﻦ اﻵﺛﺎر اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻓﺮﻳﺪاً ﰲ ﻧﻮﻋﻪ ﻣﻌﺰوﻻً ﻋﻦ ﻏﲑﻩ ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﻟﻮﺣﺔ أو ﲤﺜﺎل أو ﳊﻦ أو ﻛﺘﺎب إﻻ وﻳﺪﺧﻞ ﰲ زﻣﺮة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺮ ﺷﻌﺮ اﳌﺆﻟﻒ ﺑﺬﻟﻚ أم ﱂ ﻳﺸﻌﺮ. وﻋﻠﻰ اﻟﺘﺄرﻳﺦ اﻷدﰊ أن ﻳﻀﻌﻪ ﰲ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﻣﻦ

أﻧﻮاع اﻷدب وﺻﻮر اﻟﻔﻦ ﰒ ﻳﺰﻳﻦ أﺻﺎﻟﺘﻪ ﺑﻘﻴﺎس ﻣﺎ ورث ﻋﻦ ﻏﲑﻩ وﻣﺎ أورث ﻏﲑﻩ.7" وﻳﻘﻮل ﺗﻴﺠﻢ ﰲ ﻣﻮﺿﻊ آﺧﺮ" ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﻔﺮغ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ دﻻﻟﺔ ﻓﻨﻴﺔ وﻧﺼﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﲎ ﻋﻠﻤﻴﺎً وﺗﻘﺮﻳﺮ اﳌﺸﺎ ﺎت واﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﺑﲔ ﻛﺎﺗﺒﲔ أو ﻣﺸﻬﺪﻳﻦ أو ﻣﻮﺿﻮﻋﲔ أو ﺻﻔﺤﺘﲔ ﻣﻦ ﻟﻐﺘﲔ أو أﻛﺜﺮ إﳕﺎ

ﻫﻮ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺒﺪء اﻟﻀﺮورﻳﺔ اﻟﱵ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ اﻛﺘﺸﺎف ﺗﺄﺛﺮ أو اﻗﺘﺒﺎس أو ﻏﲑ ذﻟﻚ.8"

28

 

وﻋﻨﺪ ﻏﻴﺎر ﻳﻘﻮل ﰲ دﻋﻮاﻩ اﻟﱵ ﺗﺒﻄﻞ أن ﻳﻜﻮن اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ اﻷدب اﻟﻌﺎم أو اﻟﻌﺎﳌﻲ و"ﻳﺒﺪو أن ﻫﺬﻳﻦ اﳌﻄﻤﻌﲔ ﳘﺎ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺎن أو ﻏﲑ ﻣﻔﻴﺪﻳﻦ ﻟﺪى أﻛﺜﺮ اﳌﻘﺎرﻧﲔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﲔ، ﻷن ﻫﻨﺎك ﺣﲔ ﺗﻨﻌﺪم اﻟﺼﻠﺔ ﺳﻮاء أﻛﺎن ذﻟﻚ ﺑﲔ إﻧﺴﺎن وﻧﺺ أو ﺑﲔ إﻧﺘﺎج وﺑﻴﺌﺔ ﻣﺘﻠﻘﻴﺔ أم ﺑﲔ ﺑﻠﺪ ورﺣﺎﻟﺔ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﳏﻴﻂ اﻷدب اﳌﻘﺎرن وﻳﺘﺒﺪى ﳏﻴﻂ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻜﺮ اﶈﺾ ﰲ دراﺳﺔ اﻟﺘﺄﺛﲑ واﻟﺘﺄﺛﺮ اﳌﺘﺒﺎدﻟﲔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.9" وﻳﻘﻮل ﻏﻨﻴﻤﻲ ﻫﻼل ﰲ ﻣﻮﺿﻊ آﺧﺮ " إﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﺪ ﻣﻦ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﰲ ﺷﻲء ﻣﺎ ﻳﻌﻘﺪ ﻣﻦ ﻣﻮازﻧﺎت ﺑﲔ ﻛﺘﺎب ﻣﻦ آداب ﳐﺘﻠﻔﺔ ﱂ ﺗﻘﻢ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺻﻼت ﺗﺎرﳜﻴﺔ ﺣﱴ ﻳﺆﺛﺮ أﺣﺪﻫﻢ ﰲ اﻵﺧﺮ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ اﻟﺘﺄﺛﲑ أو ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﻪ .10" وﻳﻘﻮل أﻳﻀﺎً " وﻻ ﻳﺼﺢ أن ﻧﺪﺧﻞ ﰲ ﺣﺴﺎﺑﻨﺎ ﳎﺮد ﻋﺮض ﻧﺼﻮص أو ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺎﻵداب وﻧﻘﺪﻩ ﺮد ﺗﺸﺎ ﻬﺎ أو ﺗﻘﺎر ﺎ دون أن ﻳﻜﻮن ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺻﻠﺔ

ﻣﺎ ﻧﺘﺞ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻮاﻟﺪ أو ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻣﻦ أي ﻧﻮع ﻛﺎن .11" ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻷﻗﻮال اﻟﱵ ذﻛﺮ ﺎ أن اﻷﺳﺎس اﻟﺬي ﻗﺎم ﻋﻠﻴﻪ اﳌﻔﻬﻮم اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻫﻮ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ، ﻟﻜﻦ أﺗﺴﺎءل ﻫﻞ ﻣﺴﺎﻟﺔ اﻟﺘﺄﺛﲑ واﻟﺘﺄﺛﺮ أﻳﺎً ﻛﺎﻧﺖ درﺟﺘﻬﺎ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ اﻷدب اﳌﻘﺎرن؟. أﻋﺘﻘﺪ أن اﻟﺘﺄﺛﺮ ﻻ إﺷﻜﺎل ﰲ ذﻟﻚ وﻫﺬا ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺑﻮل وان ﺗﻴﺠﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل " ﻓﻤﻦ اﻟﻨﺎدر ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ أن ﻳﻜﻮن أﺛﺮ ﻣﻦ اﻷﺛﺎر اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻓﺮﻳﺪاً ﰲ ﻧﻮﻋﻪ ﻣﻌﺰوﻻً ﻋﻦ ﻏﲑﻩ.12" وﻳﻘﻮل ﺑﻮل واﻟﺮي " ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺷﻲء أﻛﺜﺮ اﺑﺘﻜﺎراً وﻻ أﺷﺪ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﻦ أن ﻳﺘﻐﺬى اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ وﻟﻜﻦ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻫﻀﻢ ﻫﺬا

اﻟﻐﺬاء، ﻓﺎﳊﻖ أن اﻷﺳﺪ ﻣﻜﻮن ﻣﻦ ﻛﺒﺎش ﻣﺘﺤﻮﻟﺔ.13"

ﰲ اﳊﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬا ﻛﻼم ﻣﻬﻢ ﺟﺪاً ﻓﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺄﺛﺮ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻻ ﺧﻼف ﰲ ذﻟﻚ، ﺑﻞ وﻛﻤﺎ ﻗﺎل واﻟﺮي ﻳﻌﺪ ﻫﺬا ﻣﻦ اﻻﺑﺘﻜﺎر ﻟﻜﻦ ﻫﺬا إﱃ ﺣﺪ ﻣﺎ، ﻓﺒﻌﺪ أن ﻳﺘﺄﺛﺮ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻻﺑﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ أﺳﻠﻮﺑﻪ

وﻃﺮﻳﻘﺘﻪ وﳌﺴﺘﻪ اﳋﺎﺻﺔ اﻟﱵ ﻳﻄﺒﻊ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﺎ، ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺄﺛﺮ ﻛﻠﻴﺔ ﻓﺈن ﻫﺬا ﻣﻘﻠﺪ أﻋﻤﻰ، وﰲ اﻋﺘﻘﺎدي ﻫﺬا ﳜﺮج ﻣﻦ اﻷدب اﳌﻘﺎرن، وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﻼﺣﻆ أن ﺗﻴﺠﻢ ﻳﻘﻮل " ﻋﻠﻰ أن اﻟﻜﺘﺎب ﻗﺴﻤﺎن، ﺻﻐﺎر وﻛﺒﺎر، أﻣﺎ اﻟﺼﻐﺎر ﻓﺈ ﻢ ﻳﺒﻠﻐﻮن ﰲ ﺗﻘﻠﻴﺪﻫﻢ ﺣﺪ اﻟﻨﻘﻞ واﻟﻨﺴﺦ وأﻣﺎ اﻟﻌﻈﺎم ﻓﺈ ﻢ إذا اﻧﺴﺎﻗﻮا ﻣﻊ ﺗﻴﺎر اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ إﱃ ﺣﲔ ﻻ ﻳﻠﺒﺜﻮن أن ﻳﻌﻮدوا إﱃ أﻧﻔﺴﻬﻢ وﻳﺴﱰدوا أﺻﺎﻟﺘﻬﻢ وﺣﱴ ﺣﲔ ﻳﻘﻠﺪون ﻓﺈﻧﻚ ﺗﺮى ﻟﻸﺻﺎﻟﺔ ﰲ ﺗﻘﻠﻴﺪﻫﻢ أﺛﺮاً.14" وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﳒﺪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﳏﻤﺪ ﻏﻨﻴﻤﻲ ﻫﻼل ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﺘﺄﺛﺮ اﻟﻌﻜﺴﻲ ﻓﻴﻘﻮل ﻋﻦ أﲪﺪ ﺷﻮﻗﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ ﻛﻴﻠﻴﻮﺑﱰا " ﻓﻤﺎ راق ﻟﻪ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ

ﺷﻜﺴﺒﲑ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻜﺘﺐ ﺷﻮﻗﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻐﺎﻳﺮ وﳐﺘﻠﻒ ﻋﻤﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﺷﻜﺴﺒﲑ .15"

 

ﳒﺪ أن


إذن ﻓﺄﺳﺎس اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﰲ اﳌﻔﻬﻮم اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻫﻮ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ، وﻣﻦ ﻫﻨﺎ

ﻣﻘﺎرﱐ اﻷدب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ أﻟﺰﻣﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺄﻣﻮر ﻋﺪة ﻣﻨﻬﺎ:

 

 

29

 

أوﻻً: أن ﺗﻮﺟﺪ ﺻﻼت ﺗﺎرﳜﻴﺔ ﺑﲔ اﻷدب اﳌﺘﺄﺛﺮ واﻷدب اﳌﺆﺛﺮ. ﻳﻘﻮل ﻏﻨﻴﻤﻲ ﻫﻼل: " وﻛﻤﺎأﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ ﺣﺴﺎب اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻣﺎ ﻳﻌﻘﺪ ﻣﻦ ﻣﻘﺎرﻧﺎت ﺑﲔ آداب ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺻﻠﺔ ﺗﺎرﳜﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻮد.16"...... ﻟﻘﺪ أﺻﺮ اﻷدﺑﺎء اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﻘﻄﺔ ﻛﺜﲑاً ووﺿﻌﻮا ﻋﻨﺎوﻳﻦ ﻋﻦ

ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻧﻌﻘﺎد ﻫﺬﻩ اﻟﺼﻼت ﻣﻦ رﺣﻼت وﺗﺮﲨﺎت وﺳﻔﺮ اﻷدﺑﺎء إﱃ اﻷدﺑﺎء اﻵﺧﺮﻳﻦ أو ﻏﲑ ذﻟﻚ.

وﻗﺪ ﺣﺪد ﺗﻴﺠﻢ ﳌﺆرخ اﻷدب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺣﱴ ﻳﻨﻬﺾ ﲟﻬﻤﺘﻪ ﺳﺒﻞ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﻘﻮﻟﻪ" ﻫﻨﺎك ﺣﺎﻟﺘﺎن أوﳍﻤﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﱰﲨﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ أو اﻟﱰﲨﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، واﳊﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﳌﻌﻘﺪة وﻫﻲ أن ﻳﻜﻮن اﺗﺼﺎل ﻛﺘﺎﺑﻨﺎ ﺑﻜﺘﺎب ﳏﺪﺛﲔ ﻣﻦ أﻣﻢ أﺟﻨﺒﻴﺔ.17" وﻫﻨﺎ ﻻﳜﻔﻰ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ﻫﺬﻩ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﻨﺮﺟﺴﻴﺔ وﻫﺬا ﻣﺎ أﻛﺪﻩ آﻣﺒﲑ ﰲ ﳏﺎﺿﺮاﺗﻪ ﺣﲔ ﻗﺎل" ... وﻧﻌﻠﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﻮق ﻓﻨﺤﻦ أﻏﻨﻴﺎء ﺑﺎ ﺪ.18" وﻳﺬﻛﺮ اﻟﺪﻛﺘﻮر

ﲨﺎل ﺷﺤﻴﺪ ﰲ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻋﻦ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻫﺬﻩ اﻟﻨﺰﻋﺔ ﺑﺄ ﺎ ﺗﺄﺛﺮت ﻧﻮﻋﺎً ﻣﺎ ﺑﺎﻟﺮوح اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ

اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ وﺣﱴ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ. وﻫﻨﺎ ﻻﺑﺪ أن ﻧﺴﺄل

أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺳﺆاﻻً إذا ﻣﺎ وﺟﺪﻧﺎ ﺗﺸﺎ ﺎً ﺑﲔ ﻛﺎﺗﺒﲔ أو ﻋﻤﻠﲔ ﻓﻬﻞ ﻳﻌﺪ ﻫﺬا ﻣﻦ ﺑﺎب اﻷدب اﳌﻘﺎرن؟ واﳉﻮاب ﻋﻨﺪ ﳏﻤﺪ ﻏﻨﻴﻤﻲ ﻫﻼل ﺑﺄﻧﻪ ﻻﻳﻌﺪﻩ ﻣﻦ اﻷدب اﳌﻘﺎرن.19 ﻟﻜﻦ ﰲ اﻋﺘﻘﺎدي ﻫﺬا ﻛﻼم ﻓﻴﻪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻐﻠﻂ ﻷﻧﻨﺎ ﻛﺜﲑاً ﻣﺎ ﳒﺪ ﺗﺸﺎ ﺎً ﺑﲔ ﻋﻤﻠﲔ ﻻﻳﻜﻮن ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺻﻼت ﺗﺎرﳜﻴﺔ، وأﻗﺮب ﻣﺜﺎل ﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﻛﺘﺎﺑﺎ اﻟﺪﻳﻮان واﻟﻐﺮﺑﺎل، ﻓﻘﺪ ﻇﻬﺮا ﰲ وﻗﺘﲔ ﻣﺘﻘﺎرﺑﲔ، إذ ﻇﻬﺮ اﻟﺪﻳﻮان ﺳﻨﺔ 1921 وﻇﻬﺮ اﻟﻐﺮﺑﺎل ﰲ ﺳﻨﺔ 1923، واﻟﻜﺘﺎﺑﺎن ﻳﺮﻣﻴﺎن إﱃ ﻫﺪف واﺣﺪ ﻫﻮ اﳍﺠﻮم اﻟﻌﻨﻴﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺪرﺳﺔ اﻷدب اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي واﻟﺪﻋﻮة إﱃ أدب ﺟﺪﻳﺪ ﳑﺎ ﻗﺪ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺘﺄﺛﺮ أﺣﺪﳘﺎ ﺑﺎﻵﺧﺮ وﰲ ﻫﺬا ﻳﻘﻮل

اﻟﺪﻛﺘﻮر ﳏﻤﺪ ﻣﻨﺪور" وﻟﻜﻦ اﻻﺳﺘﻘﺮاء اﻟﺘﺎرﳜﻲ اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻳﺆﻛﺪ أن ﻫﺬا اﻟﺘﺄﺛﲑ اﳌﺘﺒﺎدل ﱂ ﳛﺪث. وﻗﺪ أﻛﺪ اﻷﺳﺘﺎذان ﻧﻌﻴﻤﺔ واﻟﻌﻘﺎد ﻟﻨﺎ ﺷﺨﺼﻴﺎً ﻋﺪم ﺣﺪوث ﻫﺬا اﻟﺘﺄﺛﺮ وﻗﺮرا أن ﻛﻼ اﻻﲡﺎﻫﲔ ﻗﺪ ﺗﻮﻟﺪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺔ وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻈﺮوف ﻣﺘﺸﺎ ﺔ ﻫﻲ اﺗﺼﺎل اﳉﺎﻧﺒﲔ اﳌﻬﺠﺮي واﻟﺸﺮﻗﻲ ﺑﺎﻵداب واﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻷورﺑﻴﺔ ﰒ إﺣﺴﺎس ﻛﻞ ﻣﻦ اﳉﺎﻧﺒﲔ ﺑﺄن اﲡﺎﻫﺎت اﻷدب اﻟﻌﺮﰊ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﱂ ﺗﻌﺪ ﺗﻜﻔﻲ ﺣﺎﺟﺎت اﻟﻌﺼﺮ اﳌﺘﻄﻮرة وإذ ﺑﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﺴﲑ ﰲ ﺧﻂ ﻣﻮاز ﻟﻶﺧﺮ دون ﺳﺒﻖ اﻟﺘﻘﺎء.20" ﻣﻦ ﻫﻨﺎ أﻗﻮل ﻗﺪ ﳒﺪ ﺗﺸﺎ ﺎً ﺑﲔ ﻋﻤﻠﲔ أو ﻓﻜﺮﺗﲔ وﻳﻜﻮن ﻫﺬا ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺘﻘﺎء اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻔﻨﻴﺔ واﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﻟﺪى

اﻟﻜﺎﺗﺒﲔ.

ﺛﺎﻧﻴﺎً: اﺧﺘﻼف اﻟﻠﻐﺔ:

وﻫﺬا ﻣﺎ أﺛﺎرﻩ ﺗﻴﺠﻢ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺣﲔ ﻗﺎل " ﻣﺎ ﻫﻲ ﺣﺪود أدب ﻣﻦ اﻵداب ﰲ ﻋﺼﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺼﻮر؟

ﻣﺎﻫﻲ اﳊﺪود اﻟﱵ إذا ﺗﻌﺪﻳﻨﺎﻫﺎ ﺟﺎز ﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ أدب أﺟﻨﱯ وﻋﻦ ﺗﺄﺛﲑ أو ﺗﺄﺛﺮ ﺑﻪ؟ اﳉﻮاب ﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﺳﻬﻞ ﺣﻴﺚ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن اﳌﺴﺎﺣﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻣﻨﻄﺒﻘﺔ ﻛﻞ اﻻﻧﻄﺒﺎق أو ﺑﻌﻀﻪ ﻋﻠﻰ اﳌﺴﺎﺣﺔ

30

 

اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺸﺄن ﺑﲔ ﻓﺮﻧﺴﺎ وإﻧﻜﻠﱰا أو ﺑﲔ ﻓﺮﻧﺴﺎ وإﺳﺒﺎﻧﻴﺎ، ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻻرﺗﺒﺎط ﻏﲑ ﻣﺘﻮﻓﺮ ﰲ ﻏﺎﻟﺐ اﻷﺣﻴﺎن وﻫﻨﺎك ﺣﺎﻻت ﻛﺜﲑة ﻳﺼﻌﺐ أن ﳒﺪ ﳍﺎ ﺣﻼً ﻋﺎﻣﺎً، ﻓﻜﺜﲑاً ﻣﺎ ﺗﻜﻮن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﰲ ﺑﻠﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان ﳑﺘﺪة إﱃ ﻣﺎ وراء ﺣﺪودﻩ، وﻫﻨﺎ ﻻ ﺑﺪ أن ﻧﺘﺴﺎءل ﻫﻞ ﻧﻠﺤﻖ اﻷﺛﺎر اﻟﱵ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻴﻤﺎ وراء ﻫﺬﻩ اﳊﺪود ﺑﺎﻷدب اﻟﻘﻮﻣﻲ اﻟﺬي ﺗﻨﺘﺠﻪ اﻷﻣﺔ؟ أﻣﺎ اﻷﳌﺎن ﻓﺈ ﻢ ﻳﻌﺘﻘﺪون ﺑﺬﻟﻚ

ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﻢ ﻓﱰاﻫﻢ ﻳﻀﻌﻮن اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺴﻮﻳﺴﺮﻳﲔ واﻟﻜﺘﺎب اﻟﻨﻤﺴﺎوﻳﲔ ﰲ ﻋﺪاد اﻷدﺑﺎء اﻷﳌﺎن، وأﻣﺎ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺣﻴﺚ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻗﺪﳝﺔ ﻣﻐﺮﻗﺔ ﰲ اﻟﻘﺪم وﺣﻴﺚ اﻟﺸﻌﻮر ﺬﻩ اﻟﻮﺣﺪة ﻋﻤﻴﻖ ﻗﻮي

ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﺤﻲ أن ﻧﻨﺴﺐ إﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﻣﻨﺎ ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻷﺳﺒﺎب ﺑﺪﻳﻬﻴﺔ ﻧﻌﺪ روﺳﻮ ودﳝﺴﱰ ﻛﺎﺗﺒﲔ

ﻓﺮﻧﺴﻴﲔ رﻏﻢ أن اﻷول ﻣﻦ ﺟﻨﻴﻒ واﻟﺜﺎﱐ ﻣﻦ ﺳﺎﻓﻮ وﳍﺬا ﳝﻜﻦ أن ﻧﻘﺒﻞ ﰲ ﻋﺪادﻧﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎً ﻣﻦ

ﺳﻮﻳﺴﺮا وﺑﻠﺠﻴﻜﺎ ﻻ ﻢ ﺣﻮﻣﻮا ﺣﻮل ﺑﺎرﻳﺲ ﻛﻤﺮﻛﺰ أدﰊ وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺪع ﻟﺴﻮﻳﺴﺮا وﺑﻠﺠﻴﻜﺎ ﺑﻌﺾ

اﻷدﺑﺎء ﻷ ﻤﺎ آﺛﺮوا اﻟﺒﻘﺎء ﰲ ﺑﻼدﻫﻢ وﻟﺬﻟﻚ ﳚﺐ أن ﻧﻌﺪ اﻟﺘﺄﺛﲑات اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﰲ اﻷدب اﻟﻜﻨﺪي اﳌﻜﺘﻮب ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻜﺘﺎب اﻷﻣﺮﻳﻜﺎن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻷدب اﻹﻧﻜﻠﻴﺰي ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣﻦ

ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت اﻷدب اﳌﻘﺎرن.21 ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﱵ أﺛﺎرﻫﺎ ﺗﻴﺠﻢ ﻣﻬﻤﺔ وﺗﻄﺮح ﺗﺴﺎؤﻻت ﻛﺜﲑة ﺣﻮﳍﺎ، ﺗﻴﺠﻢ ﻳﺴﺘﺤﻲ أن ﻳﻨﺴﺐ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﻣﻨﻬﻢ وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺴﺘﺜﲏ أدﺑﺎء ﻟﻴﺴﻮا ﻓﺮﻧﺴﻴﲔ ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛﺘﺒﻮا ﺑﺘﻮﺟﻬﺎت ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ وﺑﻮﺣﻲ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ، ﻓﻬﺆﻻء ﻳﻌﺪﻫﻢ ﺗﻴﺠﻢ ﻣﻦ اﻷدﺑﺎء اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﲔ وﻳﺴﺘﺒﻌﺪ ﻛﺘﺎﺑﺎً رﻏﻢ أ ﻢ ﻛﺘﺒﻮا ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ وﻻ ﻳﻌﺪﻫﻢ ﻓﺮﻧﺴﻴﲔ، ﻓﻬﻨﺎ ﳛﺪد ﺗﻴﺠﻢ ﺣﱴ ﻳﻜﻮن اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻓﺮﻧﺴﻴﺎً ﳚﺐ أن ﻳﺘﻐﺬى ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ

وﺑﺘﻔﻜﲑ ﻓﺮﻧﺴﻲ ﳏﺾ. وﻳﺜﲑ ﺗﻴﺠﻢ ﻣﺴﺄﻟﺔ أن اﻷدب اﻻﻣﺮﻳﻜﻲ ﻫﻞ ﳝﻜﻦ أن ﻧﻌﺪﻩ أدﺑﺎً اﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺎً

ﻋﻠﻰ أن ﻛﻼ اﻷدﺑﲔ ﻛﺘﺒﺎ ﺑﻠﻐﺔ واﺣﺪة، ﻳﻘﻮل ﺗﻴﺠﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﳝﻜﻦ أن ﻧﻌﺪﳘﺎ أدﺑﺎً واﺣﺪاً واﻟﺴﺒﺐ ﰲ

ذﻟﻚ أن ﻟﻜﻞ أدب ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ اﳋﺎﺻﺔ ﺑﻪ وﲡﺎرﺑﻪ اﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﰲ ذﻟﻚ.

وﻻ ﺑﺪ أن ﻧﺴﺎل أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺳﺆاﻻً ﻫﻞ ﳝﻜﻦ أن ﻧﻌﺪ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ أدﻳﺒﺎً ﻓﺮﻧﺴﻴﺎً أو ﻳﺪﺧﻠﻮن ﺿﻤﻦ اﻷدب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ، ﺗﻴﺠﻢ ﻳﻨﻔﻲ ﻫﺬا إذا ﱂ ﻳﺘﻐﺬى ﻏﺬاء ﻛﺎﻣﻼً ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ. وﰲ

اﻋﺘﻘﺎدي ﻫﺬا ﺻﺤﻴﺢ ﻷن اﻷدﻳﺐ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻨﺴﺒﻪ إﱃ ذﻟﻚ اﻟﺒﻠﺪ ﺮد أﻧﻪ ﻛﺘﺐ ﺑﻠﻐﺘﻪ،

ﻓﺜﻘﺎﻓﺔ اﻷدﻳﺐ ﺣﺘﻤﺎً ﺳﺘﻜﻮن ﳐﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ. ﺑﻌﺾ اﳌﻘﺎرﻧﲔ ﻳﻌﺘﱪ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻷﺧﺮى ﻳﻨﺘﻤﻲ إﱃ ﻫﺬﻩ اﻟﻠﻐﺔ، ﻳﻘﻮل ﻫﻼل: " ﻓﺎﻟﻜﺎﺗﺐ أو اﻟﺸﺎﻋﺮ إذا ﻛﺘﺐ ﻛﻼﳘﺎ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﺪدﻧﺎ أدﺑﻪ ﻋﺮﺑﻴﺎً ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﺟﻨﺴﻪ اﻟﺒﺸﺮي اﻟﺬي اﳓﺪر ﻣﻨﻪ22" واﻟﺬي أراﻩ أن ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ اﻟﺼﻮاب وﻟﻮ أﻧﻪ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻜﺎن ﳚﺐ أن ﻧﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺑﺎﻻﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ أو اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻛﺘﺎﺑﺎً ﻣﻦ ﺗﻠﻚ

اﻟﺒﻠﺪان.

31

 

ﺛﺎﻟﺜﺎً: ﺣﺼﺮ اﻷدب ﺑﺎﻷدب: ﻟﻘﺪ ﺣﺼﺮ اﳌﻘﺎرﻧﻮن اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺬا اﻟﺸﺮط، ﻳﻘﻮل ﺗﻴﺠﻢ: " اﻷدب اﳌﻘﺎرن اﳊﻘﻴﻘﻲ ﳛﺎول ﻛﻜﻞ ﻋﻠﻢ ﺗﺎرﳜﻲ أن ﻳﺸﻤﻞ أﻛﱪ ﻋﺪد ﳑﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﳌﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﺻﻞ ﺣﱴ ﻳﺰداد ﻓﻬﻤﻪ وﺗﻌﻠﻴﻠﻪ ﻟﻜﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺪة، ﻓﻬﻮ ﻳﻮﺳﻊ أﺳﺲ اﳌﻌﺮﻓﺔ ﻛﻤﺎ ﳚﺪ أﺳﺒﺎب أﻛﱪ ﻋﺪد ﳑﻜﻦ

ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ، أرﻳﺪ أن أﻗﻮل ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﻔﺮغ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ دﻻﻟﺔ ﻓﻨﻴﺔ وﻧﺼﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﲎ ﻋﻠﻤﻴﺎً وﺗﻘﺮﻳﺮ اﳌﺘﺸﺎ ﺎت واﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﺑﲔ ﻛﺘﺎﺑﲔ أو ﻣﺸﻬﺪﻳﻦ أو ﻣﻮﺿﻮﻋﲔ أو ﺻﻔﺤﺘﲔ ﻣﻦ ﻟﻐﺘﲔ أو أﻛﺜﺮ إﳕﺎ ﻫﻮ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺒﺪء اﻟﻀﺮورﻳﺔ اﻟﱵ ﺗﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ اﻛﺘﺸﺎف ﺗﺄﺛﺮ أو اﻗﺘﺒﺎس أو ﻏﲑ ذﻟﻚ .23 وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﳒﺪ أن أﺣﺪ اﻻﻋﱰاﺿﺎت اﻟﱵ وﺟﻬﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ إﱃ اﳌﺪرﺳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺣﺼﺮﻫﻢ اﳌﻘﺎرﻧﺔ ﰲ ﳎﺎل اﻷدب. وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻻﻧﻐﻼق ﻫﺬﻩ اﳌﺪرﺳﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﺗﺸﺪدﻫﻢ ﰲ ﻫﺬﻩ اﻟﺸﺮوط وﲤﺤﻮر اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﰲ اﳌﺮﻛﺰﻳﺔ اﻷورﺑﻴﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ، ﻓﻘﺪ اﻧﺸﻖ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ اﳌﺪرﺳﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ رﻳﻨﻪ اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ وأﺻﺒﺢ ﻟﻪ ﺗﻮﺟﻬﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﰲ ذﻟﻚ، ﻓﻘﺪ ﺣﺬر رﻳﻨﻪ اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ ﻣﻦ اﳌﺮﻛﺰﻳﺔ اﻟﻔﻮﻗﻴﺔ واﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻸدب اﳌﻘﺎرن اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي وﻣﻦ اﺑﺘﻌﺎدﻩ ﻋﻦ ﺟﻮﻫﺮ اﻷدب، وﻗﺪ ﺷﻜﻞ ذﻟﻚ اﻟﻨﻘﺪ ﺧﻄﻮة ﻣﻬﻤﺔ ﳓﻮ ﲡﺎوز اﻻﲡﺎﻩ اﻟﺘﺎرﳜﻲ اﻟﻮﺿﻌﻲ

ﰲ اﻷدب اﳌﻘﺎرن. وﻳﻘﻮل اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ: " إﻧﲏ ﻻ أﻓﻬﻢ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻠﺪراﺳﺔ اﻷدﺑﻴﺔ إﻻ ﻫﺪﻓﺎن: اﻟﺘﺜﻘﻴﻒ واﻹﻣﺘﺎع ودون ﺷﻚ ﻓﺈن ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻌﻠﻤﻮن اﻷدب ﻟﻴﻌﻠﻤﻮﻩ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻌﻠﻮﻣﺎ ﻢ ﻣﻨﻈﻤﺔ وأن ﺗﻜﻮن دراﺳﺎ ﻢ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﳌﻨﻬﺞ وﻣﻮﺟﻬﺔ ﳓﻮ ﻧﻘﺎط ﳏﺪدة أﻛﺜﺮ دﻗﺔ، ﺑﻞ وأﻗﻮل أﻛﺜﺮ ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ دراﺳﺎت ﻫﻮاة اﻷدب، ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻐﻴﺐ ﻋﻦ أﻋﻴﻨﻨﺎ ﺷﻴﺌﺎن: أﺣﺪﳘﺎ أن اﻟﺪارس اﻟﺬي ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺘﻄﺒﻴﻖ اﳊﺮﰲ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ اﳌﻨﻈﻢ ﺳﻮف ﻳﻜﻮن ﻣﺪرﺳﺎً ردﻳﺌﺎً ﻟﻸدب ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺑﺪاً أن ﻳﻄﻮر ﻟﺪى ﺗﻼﻣﺬﺗﻪ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ ﺧﺎص ﺗﺬوق اﻷدب، وﺛﺎﻧﻴﻬﻤﺎ أن أﺣﺪاً ﻣﻦ اﳌﻌﻠﻤﲔ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻌﻄﻲ

ﻟﺪروﺳﻪ ﻫﺬﻩ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ إذا ﱂ ﻳﻜﻦ ﻫﺎوﻳﺎً ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻮن ﻋﺎﳌﺎً23 .

ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﻨﺺ ﻳﻠﻔﺖ اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ أن أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﺎﻟﻐﻮن ﰲ اﺗﺒﺎع اﳍﻴﻜﻞ اﳋﺎرﺟﻲ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ ﻗﺪ ﳚﺪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻌﻴﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﳎﺎل اﻟﺪراﺳﺔ اﳊﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻸدب. وﻗﺪ ﻻﺣﻆ اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ أﺛﻨﺎء دراﺳﺘﻪ ﻟﻠﺸﻌﺮ ﰲ ﻓﱰة ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺮوﻣﺎﻧﺘﻴﻜﻴﺔ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ أن ﻛﻞ اﳌﻮاﺿﻴﻊ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﱵ ﻳﺘﻀﻤﻨﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﺜﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﳊﺐ اﻟﻌﺬري واﳊﺴﺎﺳﻴﺔ اﳌﺮﻫﻔﺔ واﻟﺒﻜﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻣﻦ اﳌﺎﺿﻲ ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﻛﺜﲑاً ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ اﻟﺼﻴﲏ ﰲ ﻋﺼﺮ ﻛﻴﻢ ﺑﻮن اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﻴﺶ ﻗﺒﻞ اﳌﻴﻼد. وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎن اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ ﻗﺪ ﻧﺴﻒ ﺷﺮط اﻟﺼﻼت اﻟﺘﺎرﳜﻴﺔ، ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺗﻠﻤﺲ أﺳﺒﺎب ﳏﺪدة ﻟﻼﺗﺼﺎل اﻟﺘﺎرﳜﻲ ﺑﲔ اﻟﻌﺼﺮﻳﻦ، ﻛﻤﺎ أن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﳌﻮﺳﻮﻋﻴﺔ ﻻﻳﺘﺎﻣﺒﻞ ﻃﺒﻌﺖ ﻧﺰﻋﺘﻪ ﰲ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﺑﻄﺎﺑﻊ اﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ

32

 

واﻟﻜﻮﻧﻴﺔ اﻟﱵ ﻻ ﲢﺘﻘﺮ ﻣﺴﺒﻘﺎً أﻳﺔ ﺛﻘﺎﻓﺔ أو أي ﺷﻌﺐ ﻷ ﺎ ﺗﻘﺎوم ﻛﻞ ﻋﻨﺼﺮﻳﺔ ﺑﺪءاً ﺑﺎﻟﻔﻮﻗﻴﺔ اﻷورﺑﻴﺔ. ﻣﻦ اﳌﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﱵ ﻳﻘﱰﺣﻬﺎ اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ ﻣﺜﻼً ﻟﻸدب اﳌﻘﺎرن ﰲ اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ ﺗﺄﺛﲑ اﻟﻮﺿﻌﻴﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ، اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﲔ اﻟﻴﻬﻮد واﳌﺴﻠﻤﲔ واﳌﺴﻴﺤﻴﲔ ﰲ اﻻﻧﺪﻟﺲ، واﳌﺆﺛﺮات اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﰲ اﻷدب اﻟﻴﺎﺑﺎﱐ ﺑﻌﺪ ﺛﻮرة اﳌﻴﺠﻲ، ﺗﻄﻮر اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﰲ أورﺑﺎ ﻣﻨﺬ اﻛﺘﺸﺎف اﻣﺮﻳﻜﺎ وأﻓﺮﻳﻘﻴﺎ

اﻟﺴﻮداء. ﻟﻘﺪ ﻫﺎﺟﻢ اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ ﻣﻮاﻃﻨﻪ ﻏﻮﻳﺎر وا ﻤﻪ ﺑﺎﻟﺘﻌﺼﺐ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ واﻟﻘﻮﻣﻲ وﺑﱰﻛﻴﺰ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ اﻷدب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻓﻘﻂ، وأﻳﺪ ﻣﻌﺎرﺿﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﲔ وﻏﲑﻫﻢ وﺳﺨﺮ ﻣﻨﻪ ﺣﲔ أﻋﺎد ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻋﺎم 1958 واﺳﺘﻐﺮب ﻛﻴﻒ أن ﻏﻮﻳﺎر ﱂ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺘﻄﻮرات اﻟﻜﱪى اﻟﱵ ﺣﺪﺛﺖ ﰲ ﻣﻔﻬﻮم اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﰲ اﳋﻤﺴﻴﻨﻴﺎت ودﻋﺎ اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ زﻣﻼءﻩ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﲔ إﱃ اﳋﺮوج ﻣﻦ اﳊﻠﻘﺔ اﻟﻀﻴﻘﺔ ﻟﻸداب اﻻورﺑﻴﺔ وإﱃ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﺄداب اﻟﺸﺮق اﻷﻗﺼﻰ ﻛﺎﻟﺼﲔ واﻟﻴﺎﺑﺎن واﻻﻫﺘﻤﺎم ﲝﻘﻮل ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻷدﺑﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻷﺳﻠﻮﺑﻴﺎت واﻟﻌﻠﻮم اﻟﺒﻼﻏﻴﺔ وﻋﻠﻢ اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻷدﺑﻴﺔ.24 وﻫﻜﺬا ﻛﺎن اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ ﻣﻦ اﻟﺪاﻋﲔ إﱃ اﻻﻧﻔﺘﺎح ﳍﺬا اﳌﻔﻬﻮم اﻟﻀﻴﻖ اﻟﺬي وﺿﻌﻪ اﳌﻘﺎرﻧﻮن اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﻮن، وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ دﻋﻮاﻩ ﻣﺜﻤﺮة ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﻘﺪ ﺳﺎر ﺑﻌﺾ اﳌﻘﺎرﻧﻴﲔ اﳉﺪد ﻋﻠﻰ ﺠﻪ ﻓﺠﺎء ﳑﺜﻠﻮن ﺟﺪد ﳍﺬا اﳌﻔﻬﻮم، ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻴﲑ

ﺑﻮﻧﻴﻴﻞ، ﻛﻠﻮد ﺑﺸﻮا وأﻧﺪرﻳﻪ ﻣﻴﺸﻞ روﺳﻮ، ﻫﺆﻻء ﻛﺘﺒﻮا وﺑﻠﻮروا ﻣﻔﻬﻮﻣﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﰲ اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﻓﻨﺮى ﻛﻴﻒ ﻋﺮﻓﻮا اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﺗﻌﺮﻳﻔﺎً ﻳﻮاﺋﻢ ﲨﻴﻊ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻪ ﻳﻘﻮﻟﻮن: " اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻫﻮ اﻟﻔﻦ اﳌﻨﻬﺠﻲ اﻟﺬي ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺘﻤﺎﺛﻞ واﻟﻘﺮاﺑﺔ واﻟﺘﺄﺛﲑ وﺗﻘﺮﻳﺐ اﻷدب ﻣﻦ اﻷﺷﻜﺎل اﳌﻌﺮﻓﻴﺔ اﻟﺘﻌﺒﲑﻳﺔ اﻷﺧﺮى أو ﺗﻘﺮﻳﺮ اﻷﻋﻤﺎل واﻟﻨﺼﻮص اﻷدﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻴﺪة ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺰﻣﻦ أو ﰲ اﻟﻔﻀﺎء ﺷﺮط أن ﺗﻨﺘﺴﺐ إﱃ ﻟﻐﺎت ﻣﺘﻌﺪدة أو ﺛﻘﺎﻓﺎت ﳐﺘﻠﻔﺔ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺗﺮاث واﺣﺪ

وذﻟﻚ ﻣﻦ أﺟﻞ وﺻﻔﻬﺎ وﻓﻬﻤﻬﺎ وﺗﺬوﻗﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ أﻓﻀﻞ.25" ﻫﺬﻩ اﻟﺪﻋﻮة اﻟﱵ وﺟﻬﻬﺎ اﳌﻘﺎرﻧﻮن اﳉﺪد ﰲ ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﻢ ﻟﻸدب اﳌﻘﺎرن ﺗﺒﺪو أﻛﺜﺮ اﻧﻔﺘﺎﺣﺎً وأﻛﺜﺮ ﻣﻌﻘﻮﻟﻴﺔ ﰲ ﻓﻬﻢ اﻷدب، إ ﺎ دﻋﻮة ﻷن ﻳﻘﱰب ﻫﺬا اﳌﻔﻬﻮم ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ. وﻟﻮ أﻧﻨﺎ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻟﺘﺒﲔ ﻟﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻷﺷﻴﺎء اﳉﺪﻳﺪة، ﻓﻬﻢ ﻳﻌﺘﱪون اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻓﻨﺎً واﻟﻔﻦ ﳚﺐ أن ﳛﺘﻮي ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﲨﺎﻟﻴﺔ وﻳﺪﻋﻮن إﱃ ﺗﻘﺮﻳﺐ اﻷدب ﻣﻦ اﻷﺷﻜﺎل اﳌﻌﺮﻓﻴﺔ واﻟﺘﻌﺒﲑﻳﺔ اﻷﺧﺮى، وﻫﺬﻩ دﻋﻮة ﺟﺪﻳﺪة ﻷن ﻳﻨﻔﺘﺢ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﺣﱴ ﻳﺘﻘﺎﻃﻊ ﻣﻊ أﻟﻮان ﲨﺎﻟﻴﺔ وﺗﻌﺒﲑﻳﺔ وﻳﺪﻋﻮن ﻟﺘﻘﺮﻳﺐ اﻷﻋﻤﺎل واﻟﻨﺼﻮص ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻴﺪة ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺰﻣﻦ أو ﰲ اﻟﻔﻀﺎء. ﰲ اﳊﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬا ﻛﻼم ﲨﻴﻞ، ﻓﺎﻷدب اﳉﻤﻴﻞ ﻳﺒﻘﻰ أدﺑﺎً ﺧﺎﻟﺪاً ﻻ ﳝﻮت ﺣﱴ ﺑﻌﺪ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﲔ وﻳﺒﻘﻰ ﻣﺸﻌﺎً ﻳﻐﺮي ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺮاﻩ ﺑﺄن ﻳﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ وﻳﺘﺬوق ﲨﺎﻟﻪ، وﻳﻀﻌﻮن ﺷﺮﻃﺎً ﳍﺬا ﻛﻠﻪ أن ﻳﻨﺘﺴﺐ إﱃ ﻟﻐﺎت أو ﺛﻘﺎﻓﺎت ﳐﺘﻠﻔﺔ، وﻫﻨﺎ

33

 

ﻧﻘﱰب ﺑﻄﺮف ﻣﻦ ﻛﻼم ﺗﻴﺠﻢ وﻧﺒﺘﻌﺪ ﻋﻨﻪ ﺑﻄﺮف، ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن أو ﺛﻘﺎﻓﺎت ﳐﺘﻠﻔﺔ وإن ﻛﺎن ﺟﺰءاً ﻣﻦ ﺗﺮاث واﺣﺪ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ اﳌﻤﻜﻦ أن ﻧﻘﺎرن أدﻳﺒﲔ أو أدﺑﲔ أو ﻛﺘﺎﺑﲔ أو ﻏﲑ ذﻟﻚ، إذا ﻛﺎن ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﳐﺘﻠﻔﺔ وﺿﻤﻦ ﺗﺮاث واﺣﺪ. وﻳﺒﻘﻰ اﻟﺸﻲء اﻷﻫﻢ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻗﻮﳍﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ وﺻﻔﻬﺎ وﻓﻬﻤﻬﺎ وﺗﺬوﻗﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ أﻓﻀﻞ وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﻌﻮد إﱃ ﻛﻼم اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل: " إﻧﲏ ﻻ أﻓﻬﻢ أن

ﻳﻜﻮن ﻟﻠﺪراﺳﺔ اﻷدﺑﻴﺔ إﻻ ﻫﺪﻓﺎن : اﻟﺘﺜﻘﻴﻒ واﻹﻣﺘﺎع.26 أﻣﺎ ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﻢ اﻟﺜﺎﱐ اﻟﺬي اﻗﱰﺣﻮﻩ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻹﳚﺎز ﻓﻠﻢ ﻳﻐﲑوا ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮﻣﻬﻢ ﻟﻸدب اﳌﻘﺎرن ﰲ ﺷﻲء ﻳﻘﻮﻟﻮن: " اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻫﻮ وﺻﻒ ﲢﻠﻴﻠﻲ وﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ وﺗﻔﺎﺿﻠﻴﺔ وﺗﻔﺴﲑ ﻣﺮﻛﺐ ﺑﻈﻮاﻫﺮ أدﺑﻴﺔ ﺑﲔ اﻟﻠﻐﺎت أو اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﻨﻘﺪ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﻓﻬﻢ ﺟﻴﺪ ﻟﻸدب ﺑﻮﺻﻔﻪ وﻇﻴﻔﺔ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﻟﻠﺮوح اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ27. ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﺮى ﻛﻴﻒ اﺑﺘﻌﺪ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن

اﳉﺪد ﻋﻦ اﳌﻔﻬﻮم اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﻟﻸدب اﳌﻘﺎرن ﻣﻦ ﺧﻼل اﳌﻨﻬﺠﻴﺔ، ﻓﻌﻠﻰ اﳌﻘﺎرن أن ﻳﻜﻮن ﻣﻠﻤﺎً إﳌﺎﻣﺎً ﻛﺒﲑاً ﺑﺎﳌﻨﺎﻫﺞ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﻨﻘﺪ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻐﲏ ﻋﻦ أي ﻓﺮع ﳜﺪم دراﺳﺘﻪ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ

ﻓﻬﻢ وﺗﺬوق ﺻﺤﻴﺢ ﳍﺬا اﻷدب اﻟﺬي ﻳﺮﺗﻘﻲ ﺑﺎﻟﺮوح اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ.

اﻟﻤﻔﻬﻮماﻟﻔﺮﻧﺴﻲﻣﺎﻟﻪوﻣﺎﻋﻠﻴﻪ: ﻳﻄﺮح اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﺪو ﻋﺒﻮد ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻣﺸﻜﻼت

وآﻓﺎق ﳎﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻹﳚﺎﺑﻴﺎت اﻟﱵ أﻓﺮز ﺎ دراﺳﺎت اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ. أوﻻً: إن ﻫﺬﻩ اﻟﺪراﺳﺎت ﺳﺪت ﻓﺠﻮة ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺗﺎرﻳﺦ اﻵداب اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ان ﻧﺘﻌﺮفﻋﻠﻰ اﻟﺜﻐﺮات اﻟﱵ ﺧﻠﻔﻬﺎ اﻟﺘﺄرﻳﺦ اﻟﺬي ﺣﺼﺮ ﻧﻔﺴﻪ داﺧﻞ ﺣﺪود أدب ﻗﻮﻣﻪ وأﻏﻔﻞ اﻻﻣﺘﺪادات

واﻷﺑﻌﺎد اﳋﺎرﺟﻴﺔ اﻟﱵ ﺗﺘﺠﺎوز اﳊﺪود اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻟﻶداب.

ﺛﺎﻧﻴﺎً: ﺑﺮﻫﻨﺖ دراﺳﺎت اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ ﺑﻄﻼن ﻣﻘﻮﻟﺔ اﻻﻛﺘﻔﺎء اﻟﺬاﰐ ﻟﻶداب واﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺗﻠﻚ

اﻵداب وﺗﻔﺮدﻫﺎ، ﻓﺄي أدب وأي ﳎﺘﻤﻊ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺘﻐﺬى ﺑﻐﲑﻩ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻷﺧﺮى واﻟﻔﻜﺮ اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻮﻟﻪ وﻣﺎ ﳚﺎورﻩ. ﺛﺎﻟﺜﺎً: ﻛﻤﺎ أن ﻟﻸدب اﻟﻘﻮﻣﻲ أﺻﺎﻟﺘﻪ وﺗﻔﺮدﻩ ﺣﺪوداً ﻓﻘﺪ دﻟﺖ دراﺳﺎت اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ ﻋﻠﻰ أن ﻫﺬﻩ اﻷﻣﻮر ﻧﺴﺒﻴﺔ وأن ﻫﺬﻩ اﻵداب ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻔﺎﻋﻞ وﺗﺒﺎدل وأﺧﺬ وﻋﻄﺎء واﺳﺘﲑاد وﺗﺼﺪﻳﺮ، وﺑﺬﻟﻚ ﺷﻜﻠﺖ دراﺳﺎت اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ رداً ﻋﻠﻰ دﻋﺎة اﻟﺘﻌﺼﺐ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﰲ اﻵداب اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺰﻋﻤﻮن أن أد ﻢ أﺻﻴﻞ ﺑﺼﻮرة ﻣﻄﻠﻘﺔ. وﺑﺬﻟﻚ ﺗﻜﻮن دراﺳﺎت اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ ﻗﺪ

أﺿﻌﻔﺖ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﳌﺘﻌﺼﺒﺔ اﻟﱵ ﺳﺎدت ﰲ اﻟﻌﺼﺮ اﳊﺪﻳﺚ.28 وﻳﺮى اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺣﺴﺎم اﳋﻄﻴﺐ أن اﳌﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ ﳝﻜﻦ أن ﺗﺆدي إﱃ ﺗﺼﺤﻴﺢ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺬوﻗﻴﺔ ﻟﺪى ﻗﺮاء أدب ﻗﻮﻣﻲ ﻣﻌﲔ وﻛﺬﻟﻚ إﱃ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺬوق اﻹﻧﺴﺎﱐ اﻟﺸﺎﻣﻞ ﺗﺘﺠﺎوز ﺣﺪود اﻷﻣﻢ ورﲟﺎ ﺣﺪود اﻟﻘﺎرات وﻗﺪ أﻓﺎدت أﲝﺎث اﻷدب اﳌﻘﺎرن أﻳﻀﺎً ﰲ وﺿﻊ أﺳﺎس

34

 

ﻟﻸدب اﻟﻌﺎﳌﻲ اﻟﺬي ﺣﻠﻢ ﺑﻪ ﻏﻮﺗﻪ. وﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ وﺿﻊ أﺳﺎس ﻟﻸدب اﻟﻌﺎم أو ﻟﻨﻘﻞ

اﻷدب ﻫﻜﺬا دون ﲢﺪﻳﺪ ﻟﻪ ﺑﺼﻔﺔ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ أو ﻟﻐﻮﻳﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ. إن أﲝﺎث اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻛﺜﲑاً

ﰲ اﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ ﻓﻬﻢ اﻷدب ذاﺗﻪ ﺑﻜﻠﻴﺘﻪ.29

وﻳﺒﻘﻰ أن أﻗﻮل ﺑﺄن دراﺳﺎت اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ ﻗﺪ أﻓﺮزت إﳚﺎﺑﻴﺔ ﻛﺒﲑة ﻫﻲ أ ﺎ ﺣﻔﺰت ﻣﻦ أﺗﻰ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺮح آراء وﻣﻔﻬﻮﻣﺎت ودراﺳﺎت ﺟﺪﻳﺪة، ﻓﻠﻮ ﱂ ﺗﻜﻦ دراﺳﺎت اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ ﳌﺎ رأﻳﻨﺎ ﻣﺜﻼً اﻟﻨﺎﻗﺪ رﻳﻨﻪ وﻳﻠﻚ ﻳﺘﺤﺪث ﰲ ﻫﺬا ا ﺎل وﻳﻘﺪم رؤى ﺟﺪﻳﺪة وأﺣﻴﺎﻧﺎً ﻛﺜﲑة ﺗﺆدي ﺑﻪ إﱃ

اﻻﻧﻘﻼب واﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻨﻪ، ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﳌﺜﺎل اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﱵ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺋﺪة ﰲ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن

اﳌﺎﺿﻲ ﻗﺪ رﻓﺪت ﺑﻨﻈﺮﻳﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻛﺎﻷﺳﻠﻮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻠﻘﻲ وﻏﲑﻫﺎ، وﻫﻜﺬا ﻳﻜﻮن ﻓﻬﻢ اﻷدب ﺑﺘﻌﺪد

اﻵراء واﳌﻮاﻗﻒ واﻻﻧﻔﺘﺎح ﻋﻠﻰ اﳉﺪﻳﺪ وﺗﻘﺒﻠﻪ. أﻣﺎ ﺳﻠﺒﻴﺎت ﻫﺬﻩ اﳌﺪرﺳﺔ ﻓﻬﻲ أن دراﺳﺎت اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ اﺳﺘﺒﻌﺪت اﳉﻮاﻧﺐ اﳉﻤﺎﻟﻴﺔ واﻟﺬوﻗﻴﺔ ﻟﻸدب وﺣﺪت ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺟﺪوى ﺗﻠﻚ اﻟﺪراﺳﺎت ودورﻫﺎ اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺜﻘﺎﰲ وﲢﻮل ﻋﺎﱂ اﻷدب اﳌﻘﺎرن إﱃ ﻣﺆرخ ﺑﺎﳌﻌﲎ اﻟﺼﺎرم اﻟﻀﻴﻖ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ، أي إﱃ ﺷﺨﺺ ﳚﻤﻊ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ واﳌﺼﺎدر واﻟﻮﺳﺎﺋﻂ اﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺎت اﳋﺎرﺟﻴﺔ ﻟﻶداب وﻣﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﻋﻘﺪ أي ﻣﻘﺎرﻧﺎت ﺧﺎرج ذﻟﻚ اﻹﻃﺎر ﲟﻌﺰل ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ ﺑﺪﻋﻮة أن ﻟﻴﺲ ﻟﺘﻠﻚ اﳌﻘﺎرﻧﺎت ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﺷﺒﻬﻬﺎ ﻏﻨﻴﻤﻲ

ﻫﻼل ﺑﺎﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻌﻘﻴﻤﺔ. وأﻗﺎﻣﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺪراﺳﺎت ﺟﺪاراً ﻣﺼﻄﻨﻌﺎً ﺑﲔ اﳉﻮاﻧﺐ اﻟﺘﺎرﳜﻴﺔ وﺑﲔ اﳉﻮاﻧﺐ اﳉﻤﺎﻟﻴﺔ واﻟﺬوﻗﻴﺔ ﻟﺪراﺳﺔ اﻷدب، أي ﺑﲔ ﺗﺄرﻳﺦ اﻷدب واﻟﻨﻘﺪ، ﻓﺪراﺳﺔ اﻷدب دراﺳﺔ ﺗﺎرﳜﻴﺔ ﺻﺮﻓﺔ ﺗﺘﺠﻨﺐ اﳋﻮض ﰲ اﻷﻣﻮر اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺑﺼﻮرة ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻫﻲ ﺿﺮب ﻣﻦ اﻟﻮﻫﻢ. ﻓﻠﻴﺲ ﺑﻮﺳﻊ ﻣﺆرخ اﻷدب ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن

ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺎً أن ﻳﺘﺨﻠﻰ ﺑﺼﻮرة ﺗﺎﻣﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﺬوق واﻟﺘﻘﻴﻴﻢ واﺿﻌﺎً ذاﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺮف. وﻳﻘﻮل اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﺪو ﻋﺒﻮد إن دراﺳﺎت اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ ﻫﻲ ﺳﻬﻠﺔ، ﻓﺒﻤﺠﺮد أن ﺗﻌﺮف اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ

ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻌﻘﺪ اﳌﺘﺸﺎ ﺎت ﺑﲔ اﻵداب وﺗﻘﺮر اﻟﺘﺄﺛﲑات وﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻧﺘﻘﺎﳍﺎ.30 ﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﻧﻔﺴﺮ ﻇﻮاﻫﺮ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ ﺑﲔ اﻵداب اﻟﱵ ﱂ ﺗﻘﻢ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺘﺄﺛﲑ، وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺎﳌﺪارس اﳊﺪﻳﺜﺔ ﻗﺪ وﺿﻌﺖ ﻳﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ووﺟﻬﺖ أﲝﺎﺛﻬﺎ ﳓﻮﻩ. ووﺟﻪ ﻛﺜﲑ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺪ ﻟﻠﻤﻔﻬﻮم اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي وﻫﺬا ﻣﺎ دﻋﺎ رﻳﻨﻪ وﻳﻠﻚ ﺑﺄن ﻳﺼﻒ ﻫﺬﻩ اﻟﺪراﺳﺎت ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﻣﺴﻚ

اﻟﺪﻓﺎﺗﺮ ﻟﻨﺸﺎﻃﺎت اﻻﺳﺘﲑاد واﻟﺘﺼﺪﻳﺮ اﻟﱵ ﺗﺘﻢ ﺑﲔ اﻵداب اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ. وﺿﻴﻖ اﻷدب اﳌﻘﺎرن اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي رﻗﻌﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﳌﻘﺎرﻧﺔ إذ ﺣﺼﺮﻫﺎ ﰲ ﻗﻤﻢ اﻟﺘﺄﺛﲑ واﻟﺘﺄﺛﺮ اﻟﱵ ﺧﺪﻣﺖ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﳌﺘﻌﺼﺒﺔ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺄ ﻢ وﺟﺪوا أن ﻟﻸدب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺗﺄﺛﲑاً ﻛﺒﲑاً ﻋﻠﻰ اﻵداب اﻟﱵ

35

 

ﻗﺎرﻧﻮﻫﺎ وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ أﻓﺮزت ﻧﺰﻋﺔ أورﺑﻴﺔ وﻫﻲ أن أورﺑﺎ ﻣﺼﺪر اﻹﳍﺎم وﻣﺼﺪرة ﻟﻜﻞ اﻷﻓﻜﺎر واﻵداب وﻫﻲ اﻟﱵ ﺗﺆﺛﺮ ﰲ اﻵﺧﺮﻳﻦ، وﻫﺬا ﻣﺎ ﺣﺬر ﻣﻨﻪ اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ ﺣﲔ دﻋﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﲔ واﻷورﺑﻴﲔ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎﱄ واﻟﺘﻌﺼﺐ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻷورﺑﻴﺔ. وﳍﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ اﻟﺪراﺳﺎت ﻣﺮﻣﻰ ﻟﺴﻬﺎم اﻟﻨﻘﺪ اﳉﺪﻳﺪ واﻟﻨﻈﺮﻳﺎت

اﳊﺪﻳﺜﺔ. وﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ اﳌﻨﺎﻗﺸﺎت اﻟﱵ أﻓﺮزﻫﺎ اﳌﻔﻬﻮم اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي أو دراﺳﺎت اﻟﺘﺄﺛﲑ واﻟﺘﺄﺛﺮ،

ﻻﺑﺪ ﱄ أن أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﺪراﺳﺎت ﺗﺴﻤﻴﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻴﺔ.

 

 

اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ )اﻟﻤﻔﻬﻮم اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ:(ﰲ اﳊﻘﻴﻘﺔ ﻫﺬﻩ اﳌﺪرﺳﺔ ﻧﺸﺄت ﻛﺮدة ﻓﻌﻞ ﻋﻠﻰ اﳌﺪرﺳﺔاﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺣﲔ ﻋﻘﺪ رﻳﻨﻪ وﻳﻠﻚ ﳏﺎﺿﺮة ﺑﻌﻨﻮان أزﻣﺔ اﻷدب اﳌﻘﺎرن 1958 ﰲ اﳌﺆﲤﺮ اﻟﺪوﱄ ﻟﻠﺮاﺑﻄﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻸدب اﳌﻘﺎرن، وﰲ اﳊﻘﻴﻘﺔ ﻳﻌﺘﱪ رﻳﻨﻴﻪ وﻳﻠﻚ اﻟﺘﺸﻴﻜﻲ اﻷﺻﻞ زﻋﻴﻢ ﻫﺬﻩ اﳌﺪرﺳﺔ أو ﻫﺬا

اﳌﻔﻬﻮم. ﻫﺬﻩ اﶈﺎﺿﺮة ﻛﺎن ﳍﺎ أﳘﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﲔ:

اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷول: أ ﺎ ﺑﻴﻨﺖ ﺳﻠﺒﻴﺎت دراﺳﺎت اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺘﺄﺛﲑ اﻟﱵ ﻗﺎم ﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن.

اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ: وﻫﻮ اﳌﻬﻢ ﰲ ﻫﺬﻩ اﶈﺎﺿﺮة ﻫﻲ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻣﻔﻬﻮم ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻸدب اﳌﻘﺎرن.وﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺼﻔﺢ ﻫﺬﻩ اﶈﺎﺿﺮة ﻳﺘﺒﲔ ﻟﻨﺎ اﳌﻔﻬﻮم اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ، إن ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻨﻘﺪ اﳌﻮﺟﻪ ﻟﻠﻔﺮﻧﺴﻴﲔ أو ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﻃﺮح ﻣﻔﻬﻮﻣﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻸدب اﳌﻘﺎرن ﻳﻘﻮل وﻳﻠﻚ " إن أﺧﻄﺮ دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺿﻊ اﳌﻬﺘﺰ اﻟﺬي ﲤﺮ ﺑﻪ دراﺳﺎﺗﻨﺎ ﻫﻲ أ ﺎ ﱂ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﳊﺪ اﻵن ﻣﻦ ﲢﺪﻳﺪ داﺋﺮة ﻋﻤﻠﻬﺎ وﻣﻨﻬﺠﻴﺘﻬﺎ وأﻧﺎ أﻋﺘﻘﺪ أن ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﱵ ﻧﺸﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺪﻧﺴﱪﻏﺮ وﻓﺎن ﺗﻴﺠﻢ وﻛﺎري وﻏﻴﺎر ﻗﺪ ﻓﺸﻠﺖ

ﰲ ﻫﺬﻩ اﳌﻬﻤﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ. ﻓﻘﺪ أﺛﻘﻠﻮا اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﲟﻨﻬﺠﻴﺔ ﻋﻔﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺰﻣﻦ ووﺿﻌﻮا ﻋﻠﻴﻪ أﲪﺎﻻً

ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ اﳌﻴﺘﺔ ﻣﻦ وﻟﻊ ﺑﺎﳊﻘﺎﺋﻖ واﻟﻌﻠﻮم واﻟﻨﺴﺒﻴﺔ اﻟﺘﺎرﳜﻴﺔ.31"

اﳌﻘﺎل ﻳﻄﺮح ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻫﺬا اﳌﺼﻄﻠﺢ وﻫﻮ ﻋﺪم ﲢﺪﻳﺪ ﻋﻤﻠﻪ وﻣﻨﻬﺠﻴﺘﻪ. وﻧﺮى اﳍﺠﻮم اﻟﻘﻮي ﻋﻠﻰ أﺻﺤﺎب اﳌﺪرﺳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﻨﻮا ﲟﺴﺄﻟﺔ اﻟﺘﺄﺛﲑ واﻟﺘﺄﺛﺮ ﻳﻘﻮل وﻳﻠﻚ" ﻻ ﺷﻚ ﻋﻨﺪي

أن ﳏﺎوﻟﺔ ﺣﺼﺮ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﰲ دراﺳﺔ اﻟﺘﺠﺎرة اﳋﺎرﺟﻴﺔ ﻟﻶداب ﻧﻮع ﻣﻦ اﳉﻬﺪ اﻟﻀﺎﺋﻊ.32" ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﺮى ﻛﻴﻒ ﺿﺮب وﻳﻠﻚ أﺳﺲ اﳌﺪرﺳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺑﺎﻗﺘﺼﺎرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﳌﺸﻜﻼت ﻣﺜﻞ اﻟﺘﺄﺛﺮ واﻟﺸﻬﺮة واﻟﻨﻔﻮذ واﻟﺴﻤﻌﺔ وأن ﻫﺬا اﻻﲡﺎﻩ ﻳﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﲔ أو ﻣﻦ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أو ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﺘﺎرﳜﻲ وﻳﻬﻤﻞ اﳍﺪف اﳊﻘﻴﻘﻲ وﺑﺬﻟﻚ ﻧﻌﺘﻬﺎ وﻳﻠﻚ ﺑﺄ ﺎ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﲡﺎرة ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻨﺘﺎج اﻷدﰊ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻨﻘﻄﻊ وﱂ ﻳﻨﻈﺮوا إﻟﻴﻪ ﻛﻜﻞ ﺣﱴ ﳛﻘﻘﻮا اﳍﺪف اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻟﻸدب. وﻳﺘﺎﺑﻊ

 

36

 

وﻳﻠﻚ ﻫﺠﻮﻣﻪ ﻋﻠﻰ اﳊﺪود اﻟﻀﻴﻘﺔ اﻟﱵ وﺿﻌﻬﺎ اﳌﻘﺎرﻧﻮن اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﻮن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺼﺮوا اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﰲ ﻧﺰﻋﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ. ﻳﻘﻮل: " وﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ ﰲ أن ﻳﻌﻤﻞ دارس اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻛﻮﺳﻴﻂ ﺑﲔ اﻟﺸﻌﻮب وﻛﻤﺼﻠﺢ ﻟﻠﺬات ﺑﻴﻨﻬﺎ ﰲ أﺳﺎﺳﻪ اﻟﺬي ﻳﻜﻤﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ دراﺳﺎت اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ وأﳌﺎﻧﻴﺎ وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ وﻏﲑﻫﺎ أدى إﱃ ﻧﻈﺎم ﻏﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﻣﺴﻚ اﻟﺪﻓﺎﺗﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وإﱃ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻣﺪﺧﺮات أﻣﺔ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إﺛﺒﺎت أن أﻣﺔ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻗﺪ ﻫﻀﻤﺖ أﻋﻤﺎل أﺣﺪ اﻟﻌﻈﻤﺎء

اﻟﻐﺮﺑﺎء وﻓﻬﻤﺘﻪ ﻣﻦ أي أﻣﺔ أﺧﺮى.33" إذن ﳛﺎول وﻳﻠﻚ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﻣﻔﻬﻮم اﻷدب اﳌﻘﺎرن وﺧﺼﻮﺻﺎً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻠﻐﻲ اﳊﺪود اﳌﺼﻄﻨﻌﺔ ﺑﲔ اﻷدب اﳌﻘﺎرن واﻷدب اﻟﻌﺎم، أو أن ﻳﻜﻮن اﳊﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻷدب ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم، ﻷن ﻫﺬﻳﻦ

اﳌﺼﻄﻠﺤﲔ ﻛﺜﲑا اﻟﺘﺪاﺧﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﺪراﺳﺔ. وﳛﺪد وﻳﻠﻚ ﺑﻌﺪ أن ﻋّﺮض ﺑﺎﳌﻔﻬﻮم اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي اﻷﺳﺎس ﻋﻨﺪﻩ ﰲ دراﺳﺔ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻮل: " أﻣﺎ أﻧﺎ ﺷﺨﺼﻴﺎً ﻓﺒﻮدي أﻻ ﻧﺘﻜﻠﻢ إﻻ ﻋﻦ دراﺳﺔ اﻷدب أو اﻟﺒﺤﺚ اﻷدﰊ، أﻣﺎ اﻟﺒﺤﺚ اﻷدﰊ ﻓﻼ ﺗﻌﻨﻴﻪ اﳊﻘﺎﺋﻖ اﳌﻴﺘﺔ، ﺑﻞ ﺗﻌﻨﻴﻪ اﳋﺼﺎﺋﺺ واﻟﻘﻴﻢ

وﳍﺬا اﻧﻌﺪم اﻟﻔﺮق ﺑﲔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷدﰊ واﻟﻨﻘﺪ اﻷدﰊ.34" إذن ﻓﻌﻠﻰ اﳌﻘﺎرن أن ﻳﺼﺐ ﺟﻬﻮدﻩ وﻃﺎﻗﺎﺗﻪ وﲝﻮﺛﻪ ﰲ ﺧﺪﻣﺔ اﳍﺪف اﻷﲰﻰ ﻟﻸدب وﳍﺬا ﻳﻄﻠﺐ وﻳﻠﻚ أن ﻳﺸﺮك اﻟﻨﻘﺪ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷدﰊ وﻳﻜﻮن رﻛﻴﺰة رﺋﻴﺴﻴﺔ ﲢﺎول ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻷدب وﺑﺚ اﳊﺮﻛﺔ واﳊﻴﺎة ﻓﻴﻪ ﺣﱴ ﻳﻜﻮن ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﳏﺮﻛﺎً ﻟﻨﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻦ اﻷﺷﻜﺎل. وﻳﻨﻘﻞ وﻳﻠﻚ ﻛﻼم ﻧﻮرﻣﺎن

ﻓﻮرﺳﱰ ﻗﻮﻟﻪ " إن اﳌﺆرخ اﻷدﰊ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻧﺎﻗﺪاً ﻣﻦ أﺟﻞ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺆرﺧﺎً.35"

وﳛﺪد وﻳﻠﻚ ﺛﻼﺛﺔ أﻓﺮع ﻟﻠﺪراﺳﺔ اﻷدﺑﻴﺔ: اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ، اﻟﻨﻘﺪ، اﻟﺘﺎرﻳﺦ. وﻫﺬﻩ اﻷﻓﺮع ﺗﺘﻌﺎون ﰲ

اﻟﺒﺤﺚ اﻷدﰊ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﳌﻬﻤﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ أﻻ وﻫﻲ وﺻﻒ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻔﲏ وﺗﻔﺴﲑﻩ وﺗﻘﻮﳝﻪ أو وﺻﻒ أي ﳎﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻔﻨﻴﺔ وﺗﻔﺴﲑﻫﺎ وﺗﻘﻮﳝﻬﺎ، ﻓﺎﻷدب اﳌﻘﺎرن ﺷﺄﻧﻪ ﺷﺄن اﻷدب اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ دراﺳﺔ اﻷدب ﲜﻤﻠﺘﻪ ﻓﻴﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﺘﺎرﻳﺦ أدﺑﻪ ﻣﺜﻼً ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷدب وﻣﻔﻬﻮﻣﻪ وﳍﺬا ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻫﺬا اﻷدب وﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻷدب وﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻛﺎﺋﺰ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻨﻘﺪ، وﻫﺬا اﳌﻔﻬﻮم ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻷدﻳﺐ اﳌﻘﺎرن أن ﻳﻜﻮن

ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺟﺪاً ﺣﱴ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﺪم ﲤﻴﺰ ﰲ دراﺳﺘﻪ ﻟﻸدب. ﻣﻦ ﻫﺬا اﳌﻔﻬﻮم اﻟﺬي ﻃﺮﺣﻪ وﻳﻠﻚ ﻧﺮى ﻛﻴﻒ أﻟﻐﻰ اﳊﺪود اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﳉﻨﺲ وﻏﲑﻫﺎ ﻟﻴﺤﻞ ﳏﻠﻬﺎ اﳊﺪ اﻹﻧﺴﺎﱐ ﰲ دراﺳﺘﻪ ﻟﻸدب، ﻓﻄﺮح ﻗﻀﻴﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻷدب اﳌﻘﺎرن أي أن اﻷدب اﳌﻘﺎرن

ﻧﺸﺄ ﰲ اﻷﺻﻞ ﻛﺮدة ﻓﻌﻞ ﺿﺪ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﻀﻴﻘﺔ اﻟﱵ أوﺻﻠﺖ أورﺑﺎ إﱃ ﺣﺮب ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ.

 

37

 

وﻟﻜﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ ﺗﻮﻇﻴﻒ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻛﻮﺳﻴﻂ ﺑﲔ اﻟﺸﻌﻮب ﻓﻘﺪت ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺎول ﺑﻌﺾ اﳌﻘﺎرﻧﲔ ﺗﺒﻴﺎن ﻣﺎ ﻷﻣﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﻓﻀﻞ ﺛﻘﺎﰲ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻢ اﻷﺧﺮى ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إﺛﺒﺎت أﻛﱪ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺘﺄﺛﲑات اﻟﱵ أﺛﺮ ﺎ أﻣﺘﻪ ﰲ اﻟﺸﻌﻮب اﻷﺧﺮى، ﻳﻘﻮل وﻳﻠﻚ: "وﻣﺎ أن ﻧﺪرك ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻔﻦ واﻟﺸﻌﺮ واﻧﺘﺼﺎرﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻌﱰي اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ زوال وﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮﻩ ﻣﻦ ﻣﺼﲑ وﺧﻠﻘﻪ ﻟﻌﺎﱂ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ اﳋﻴﺎل ﺣﱴ ﲣﺘﻔﻲ اﻷﺑﺎﻃﻴﻞ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ وﻳﻈﻬﺮ اﻹﻧﺴﺎن، اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌﻤﻮﻣﻴﺘﻪ ﰲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن وزﻣﺎن وﺑﻜﻞ ﺗﻨﻮﻋﺎﺗﻪ وﻳﻜﻒ اﻟﺒﺤﺚ اﻷدﰊ ﻋﻦ أن ﻳﻜﻮن ﳎﺮد ﻟﻌﺒﺔ ﻳﻠﻌﺒﻬﺎ ﻋﻦ ﳐﻠﻔﺎت اﳌﺎﺿﻲ أو ﻃﺮﻳﻘﺔ

ﲝﺴﺎب اﳌﺪﺧﺮات واﻟﺪﻳﻮن اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ.36" وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﺮى ﺑﺄن آراء وﻳﻠﻚ ﺷﻜﻠﺖ ﰲ اﳊﻘﻴﻘﺔ ﻣﻌﻈﻢ اﳌﻔﻬﻮم اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ، ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ﻇﻬﺮ ﻣﻘﺎرن ﺟﺪﻳﺪ ﻳﻨﺘﺴﺐ إﱃ اﳌﺪرﺳﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻓﺪﻋﻢ آراء وﻳﻠﻚ ﰲ ﻧﻈﺮﺗﻪ إﱃ اﻷدب اﳌﻘﺎرن وﺑﻠﻮر اﳌﺼﻄﻠﺤﺎت واﳌﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﱵ أﺳﺴﻬﺎ. ﻓﺮﳝﺎك ﻳﻌﺪ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻣﻼﺣﻘﺔ ﻟﻶداب ﺧﺎرج ﺣﺪودﻩ اﻟﻘﻮﻣﻲ ودراﺳﺔ ﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﲔ اﻵداب وﳎﺎﻻت اﳌﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﻓﻠﺴﻔﺔ وﺗﺎرﻳﺦ وﺳﻴﺎﺳﺔ وﻳﺪﺧﻞ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻔﻨﻮن ﻣﻦ رﺳﻢ وﳓﺖ وﻣﻮﺳﻴﻘﻰ وﻫﻮ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ زاوج ﺑﲔ اﻷدب وﳎﺎﻻت اﻟﺘﻌﺒﲑ

اﻹﻧﺴﺎﱐ. ﻓﺎﳉﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﺟﺎء ﺑﻪ رﳝﺎك ﻫﻮ ﻣﻘﺎرﻧﺔ اﻷدب ﻣﻊ اﻟﻔﻨﻮن اﻷﺧﺮى، أي أﻧﻨﺎ ﻻ ﳓﺼﺮ اﳌﻘﺎرﻧﺔ ﺑﲔ

أدﺑﲔ وإﳕﺎ ﻧﻘﺎرن ﻣﻊ ﻓﻨﻮن ﻏﲑ اﻷدب. ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺘﻼﻗﻰ ﻣﻊ وﻳﻠﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ دﻋﺎ إﱃ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻷدب، ﻓﺎﻷدب ﺻﺎدر ﻋﻦ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﻔﻨﻮن اﻷﺧﺮى ﻛﺬﻟﻚ. ﰲ اﳊﻘﻴﻘﺔ أن ﻧﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎن ﺗﻌﺘﻠﺞ ﺑﺎﳌﺸﺎﻋﺮ

واﻷﺣﺎﺳﻴﺲ واﻟﺮؤى ﻓﻴﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﳜﺮج ﻫﺬﻩ اﻷﻓﻜﺎر واﳌﺸﺎﻋﺮ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻓﻨﻮن أﺧﺮى ﻏﲑ اﻷدب. ﻟﻜﻦ اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻳﻄﺮح ﻧﻔﺴﻪ ﻛﻴﻒ ﻧﻘﺎرن اﻟﺸﻌﺮ أو اﻷدب ﻣﻊ ﻓﻦ ﻏﲑ اﻷدب؟ ﻳﻘﻮل اﻟﺪﻛﺘﻮر ﳏﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ﻛﻔﺎﰲ ﰲ إﺣﺪى ﳏﺎﺿﺮاﺗﻪ: "إن ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻌﺎﻣﺔ إﱃ اﻟﻔﻨﻮن ﻗﺪ اﺳﺘﺘﺒﻌﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺪراﺳﺎت اﳌﻘﺎرﻧﺔ اﻟﱵ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻤﺎ ﺑﲔ اﻟﻔﻨﻮن ﻣﻦ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ ﻛﻤﺎ أ ﺎ ﻛﺜﲑاً ﻣﺎ ﻗﺎدت إﱃ اﳊﺪﻳﺚ ﻋﻦ أﺣﺪ اﻟﻔﻨﻮن ﺑﻠﻐﺔ ﻣﻘﺘﺒﺴﺔ ﻣﻦ ﻓﻦ آﺧﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ أو اﻟﻨﺤﺖ ﰲ اﳊﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﺸﻌﺮ ﻓﺘﻈﻬﺮ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت ﻣﺜﻞ اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ ﰲ اﻟﻘﺼﻴﺪة أو اﻟﺘﺠﺴﻴﻢ ﰲ اﻟﺼﻮرة اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ

وﻫﻜﺬا.36" وﻳﺘﺠﻠﻰ ﻫﺬا اﳌﻌﲎ ﰲ ﻣﻔﺘﺢ ﻗﺼﻴﺪة ﻋﻦ ﻓﻦ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻧﻈﻤﻬﺎ اﳌﺼﻮر اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺷﺎرل أﻟﻔﻮﻧﺲ دي ﻓﺮزﻧﻮي وﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﻲ ﺗﺮﲨﺔ ﳉﺰء ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺼﻴﺪة " إن اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﺼﻮرة...إن اﻟﺼﻮرة ﳚﺐ أن ﺗﺴﻌﻰ ﻷن ﺗﻜﻮن ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﻘﺼﻴﺪة...إن اﻟﺼﻮرة ﻛﺜﲑاً ﻣﺎ ﺗﺴﻤﻰ ﺷﻌﺮاً ﺻﺎﻣﺘﺎً وﻛﺜﲑاً ﻣﺎ

ﻳﺴﻤﻰ اﻟﺸﻌﺮ ﺻﻮرة ﻧﺎﻃﻘﺔ.37

38

 

وﰲ اﻟﻌﺼﺮ اﳊﺪﻳﺚ ﺗﻮﺻﻞ ﺑﺎﺣﺜﻮ ﻫﺬﻩ اﻟﻔﻨﻮن إﱃ اﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎت ﺗﻔﻴﺪ أن اﻟﻔﻨﻮن ﺗﻔﺴﺮ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﺘﻌﺪدة وﻛﺜﲑاً ﻣﺎ ﺗﺸﺮح اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻔﻨﻴﺔ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻋﻤﻞ أدﰊ ﻣﻌﲔ واﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ، وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻇﻬﺮت ﻟﻐﺔ اﻟﻔﻦ ﻟﺘﻠﺘﻘﻲ ﻣﻊ ﻟﻐﺔ اﻷدب ﺿﻤﻦ ﺣﺪود ﻣﺸﱰﻛﺔ ﺑﺎﺣﺘﻔﺎظ أﺳﻠﻮب ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻨﻔﺼﻼً، وﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﳒﺪ أن اﻟﺘﺄﺛﲑ واﻗﻊ ﻣﺎ ﺑﲔ رﺳﺎم ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻋﺮ أو ﺷﺎﻋﺮ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺳﻴﻘﻲ واﻟﻌﻜﺲ أﻳﻀﺎً. أﻣﺎ ﳏﺎﻛﺎة اﻟﻔﻨﻮن اﻷﺧﺮى ﻛﺎﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻣﺜﻼً واﻟﺮﺳﻢ واﻟﻨﺤﺖ ﻓﻼ ﺷﻚ

ﲣﺘﻠﻒ ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ، ﻓﺎﳌﻮﺳﻴﻘﻰ ﲢﺎﻛﻲ اﻷﺷﻴﺎء ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺼﻮت وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺸﻌﺮ ﲣﺘﻠﻒ

أﻧﻮاﻋﻪ ﺑﺎﺧﺘﻼف وﺳﺎﺋﻠﻪ واﻷﺳﺎس ﰲ اﻟﻔﻨﻮن ﻛﻠﻬﺎ اﶈﺎﻛﺎة، وﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻮم ﺗﺒﻘﻰ اﶈﺎﻛﺎة ﰲ ﳎﻤﻮﻋﻬﺎ وﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﻧﻮاﻋﻬﺎ ﻳﻔﺮﻗﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ اﲡﺎﻫﺎت: اﲡﺎﻩ ﳛﺎﻛﻲ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﳐﺘﻠﻔﺔ وآﺧﺮ ﲟﻮﺿﻮﻋﺎت ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ، وﺛﺎﻟﺚ ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﺘﻤﺎﻳﺰة أو ﻛﻴﻔﻴﺔ اﳌﻌﺎﳉﺔ. ﻓﻬﺬا ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ اﻷدب ﺑﺎﻟﻔﻨﻮن اﻷﺧﺮى، أﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ اﻷدب أو ﻣﻘﺎرﻧﺘﻪ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم اﻷﺧﺮى ﻛﻌﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎع وﻏﲑﻫﺎ، ﻓﻬﻨﺎ ﻻﺑﺪ ﻟﻠﻤﻘﺎرن أن ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ إﺣﺎﻃﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺬا اﻟﻌﻠﻢ وﳝﺘﻠﻚ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬي ﺳﻮف ﻳﻘﺎرن ﻓﻴﻪ، ﻓﻤﺜﻼً ﻟﻮ أراد أن ﻳﻘﺎرن اﻷدب ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻌﺮف أﺳﺲ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ واﳌﺴﺎﺋﻞ اﻟﱵ ﳛﺘﻮﻳﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ، ﻫﺬا ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ وﻣﻦ اﳉﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ ﳚﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻜﻮن ﻋﺎرﻓﺎً ﺑﺄﺣﻮال اﻟﻜﺎﺗﺐ أو اﻷدﻳﺐ واﻟﻈﺮوف اﻟﱵ ﻣﺮ ﺎ واﳉﻮ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺜﻘﺎﰲ اﻟﺬي ﻋﺎش ﻓﻴﻪ وأﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ وﻧﻔﺴﻪ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﳌﻘﺎرن ﻋﺎرﻓﺎً ﺬﻩ اﻷﺷﻴﺎء ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻴﺠﺪ ذﻟﻚ ﻣﻨﺼﺒﺎً ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎت اﻷدﻳﺐ وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﺳﻴﺠﺪ ﻣﻘﺎرﻧﺎت ﺑﲔ اﻷدﻳﺐ وﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ، وﻫﻜﺬا ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮم

اﻷﺧﺮى.

اﻟﺨﺎﺗﻤﺔ: ﺑﻌﺪ ﻫﺬ اﳌﻨﺎﻗﺸﺎت اﳌﺴﺘﻔﻴﻀﺔ ﻟﻠﻤﻔﻬﻮﻣﲔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ واﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻻﺑﺪ ﱄ أن أﲨﻊ اﳋﻴﻮط

اﳌﺘﻨﺎﺛﺮة ﳍﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻋﺎﻣﺔ. ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﳌﺪرﺳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﳑﺜﻠﺔ ﲟﻘﺎرﻧﻴﻬﺎ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﲔ ﻏﻮﻳﺎر، ﻛﺎرﻳﻪ، ﺗﻴﺠﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﻈﺮوا إﱃ اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻧﻈﺮة ﺿﻴﻘﺔ وﳏﺪودة، ورأﻳﻨﺎ رﻳﻨﻪ اﻳﺘﺎﻣﺒﻞ اﻟﺬي اﻧﺸﻖ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ اﳌﺪرﺳﺔ ﻓﻜﺎن ﻟﻪ آراء أﻛﺜﺮ اﻧﻔﺘﺎﺣﺎً، وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺟﺎء اﳌﻘﺎرﻧﻮن اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن اﳉﺪد وﳝﺜﻠﻬﻢ ﺑﻴﲑ ﺑﻮﻧﻴﻴﻞ، وﻛﻠﻮ ﺑﻴﺸﻮا، وأﻧﺪرﻳﻪ ﻣﻴﺸﻴﻞ روﺳﻮ اﻟﺬﻳﻦ أﻋﻄﻮا اﻷدب اﳌﻘﺎرن أﺑﻌﺎداً ﺟﺪﻳﺪة وﺑﻠﻮروا ﻣﻔﻬﻮﻣﺎﺗﻪ ﻟﺘﻜﻮن أﻗﺮب إﱃ ﺗﺬوق

اﻷدب.

أﻣﺎ اﳌﻔﻬﻮم اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻓﻘﺪ ﻣﺜﻠﻪ رﻳﻨﻪ وﻳﻠﻚ وﻫﻨﺮي رﳝﺎك ﻓﻜﺎن ﻣﻔﻬﻮﻣﺎً ﻣﻨﻔﺘﺤﺎً، أﺷﺮك وﻳﻠﻚ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ اﻟﻨﻘﺪ وﻗﺪم آراء ﻣﻬﻤﺔ ﰲ ﻫﺬا ا ﺎل، أﻣﺎ رﳝﺎك ﻓﺪﻋﺎ إﱃ ﻣﻘﺎرﻧﺔ اﻷدب ﻣﻊ ﻓﺮوع أﺧﺮى ﻣﻦ اﳌﻌﺮﻓﺔ ﻛﺎﻟﺮﺳﻢ واﻟﻨﺤﺖ واﳌﻮﺳﻴﻘﺎ وﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ واﻻﺟﺘﻤﺎع وﻏﲑﻫﺎ ﻓﺎﺳﺘﺤﻘﺖ ﻫﺬﻩ اﳌﺪرﺳﺔ أن ﻳﻄﻠﻖ

39

 

ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺪرﺳﺔ اﻹﺑﺪاع واﳋﻠﻖ، ﺑﻴﻨﻤﺎ اﺳﺘﺤﻘﺖ اﳌﺪرﺳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ أن ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﳌﺪرﺳﺔ

اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻴﺔ.

ﻫﻮاﻣﺶ اﻟﺒﺤﺚ:

اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﰲ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ واﳌﻨﻬﺞ اﳉﺰء اﻷول، ﺣﺴﺎم اﳋﻄﻴﺐ، ص23

-1

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﺑﻮل ﺗﻴﺠﻢ، ص93

-2

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﻏﻮﻳﺎر، ص124

-3

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﳏﻤﺪ ﻏﻨﻴﻤﻲ ﻫﻼل، ص84

-4

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﺑﻮل ﺗﻴﺠﻢ، ص129

-5

اﻷﻧﻮاع اﻷدﺑﻴﺔ ﻣﺬاﻫﺐ وﻣﺪارس ﰲ اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﺷﻔﻴﻖ اﻟﺒﻘﺎﻋﻲ، ص151

-6

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﻏﻮﻳﺎر، ص81

-7

اﻷدب اﳌﻘﺎرن اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ واﻟﺘﻄﺒﻴﻖ، ص75

-8

ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻷدب، رﻳﻨﻴﻪ وﻳﻠﻚ- وارﻳﻦ أوﺳﱳ، ص121

-9

ﻣﺎ اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﻣﻴﺸﻴﻞ روﺳﻮ، ﻛﻠﻮد، ﺑﺮوﻧﻴﻴﻞ ﺑﻴﲑ، ص142

-10

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﳏﻤﺪ ﻏﻨﻴﻤﻲ ﻫﻼل، ص94

-11

اﻷﻧﻮاع اﻷدﺑﻴﺔ ﻣﺬاﻫﺐ وﻣﺪارس ﰲ اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﺷﻔﻴﻖ اﻟﺒﻘﺎﻋﻲ، ص143

-12

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﻏﻮﻳﺎر، ص87

-13

اﻷدب اﳌﻘﺎرن اﳌﻨﻬﺞ واﳌﻨﻈﻮر، ﻫﻮرﺳﺖ ﻓﺮﻧﺰ، ص154

-14

اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﰲ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ واﳌﻨﻬﺞ، ﺣﺴﺎم اﳋﻄﻴﺐ، ص143

-15

ﻋﺎﱂ اﻟﻔﻜﺮ، اﻟﻌﺪد اﻷول، ص172

-16

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﻏﻨﻴﻤﻲ ﻫﻼل، ص158

-17

ﻋﺎﱂ اﳌﻌﺮﻓﺔ، اﻟﻌﺪد 110، ص169

-18

اﻟﻨﻘﺪ واﻟﻨﻘﺎد اﳌﻌﺎﺻﺮون، ﳏﻤﺪ ﻣﻨﺪور، ص138

-19

ﻧﻄﺮﻳﺔ اﻷدب، رﻳﻨﻴﻪ وﻳﻠﻚ- وارﻳﻦ أوﺳﱳ، ص162

-20

اﳌﻌﺮﻓﺔ، اﻟﻌﺪد 204، ص213

-21

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، اﳌﻨﻬﺞ واﳌﻨﻈﻮر، ﻫﻮرﺳﺖ ﻓﺮﻧﺰ، ص 159

-22

ﻣﺎ اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﻣﻴﺸﻴﻞ روﺳﻮ، ﻛﻠﻮد، ﺑﺮوﻧﻴﻴﻞ ﺑﲑ، ص153

-23

اﻷﻧﻮاع اﻷدﺑﻴﺔ ﻣﺬاﻫﺐ وﻣﺪارس ﰲ اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﺷﻔﻴﻖ اﻟﺒﻘﺎﻋﻲ، ص149

-24

ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻧﻘﺪﻳﺔ، اﻟﻌﺪد 110، ص213

-25

اﻷدب اﳌﻘﺎرن اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ واﻟﺘﻄﺒﻴﻖ، أﲪﺪ دروﻳﺶ، ص146

-26

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﻏﻨﻴﻤﻲ ﻫﻼل، ص237

-27

40

 

اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻣﺸﻜﻼت وآﻓﺎق، ﻋﺒﺪﻩ ﻋﺒﻮد، ص 159

-28

اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ، ص165

-29

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﺑﻮل ﺗﻴﺠﻢ، ص72

-30

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﻏﻨﻴﻤﻲ ﻫﻼل، ص132

-31

اﻷدب اﳌﻘﺎرن اﳌﻨﻬﺞ واﳌﻨﻈﻮر، ص213

-32

اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﻣﺸﻜﻼت وآﻓﺎق، ص 216

-33

اﻷدب اﳌﻘﺎرن ﰲ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ واﳌﻨﻬﺞ، ص59

-34

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﺑﻮل ﺗﻴﺠﻢ، ص54

-35

اﻷدب اﳌﻘﺎرن، ﻏﻨﻴﻤﻲ ﻫﻼل، ص126

-36

اﻷدب اﳌﻘﺎرن اﳌﻨﻬﺞ واﳌﻨﻈﻮر، ﻫﻮﻧﺰ ﻓﻮرﺳﺖ، ص.141

-37

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

41ر

 

 

Publicité
Publicité
Publicité
Archives
Pages
Publicité